الغناء جزء من حضارة الشعوب وتاريخها الثقافي الذي تتوارثه الأجيال، يحمل مزيجا بين الكلمات والألحان التي ترتبط بعادات وثقافات البلاد وتعبر عنها. وتعتبر أغنية ما قبل النوم طقسا موسيقيا تمارسه الشعوب كل بطريقته، وهي قطعة موسيقية تغنيها الأم حين تهدهد طفلها لتهيئته للنوم، تعرف بالتهويدة (Lullaby) أو أغنية المهد (Cradle song).
ولكل أم أغنية خاصة بها فريدة من نوعها، تختلط فيها مشاعر الحب والحنان وهي تضم صغيرها بين ذراعيها، لتترك داخله شعورا بالطمأنينة والأمان، فيغفو تاركا خلفه علامات التعب والإنهاك بعد يوم طويل.
تراث مصر وبلاد الشام
وتختلف أغاني المهد من شعب لآخر على الرغم من تشابه موضوعاتها في بعض الأحيان، ويكمن الاختلاف في بعض اللهجات، إذ تغني الأمهات المصريات الأغنية الشهيرة "نام يا حبيبي نام.. وأدبحلك جوزين حمام"، كما يغني بعضهن "ننه ننه هو" مع مد حرف الواو، لهدهدة الطفل وتحريكه برفق، والغريب أن تلك الأغنية التي لا تُعرف معانيها الحرفية، انتشرت قبل عقود رغم بساطة كلماتها وأصبحت سرا بين الأم وطفلها وقت نومه.
وفي لبنان كانت أغنية فيروز ترنيمة الأم لطفلها: "يلا تنام ريما يلا يجيها النوم.. يلا تحب الصلاة يلا تحب الصوم.. ياللا تجيها العوافي كل يوم بيوم"، لتربط الأم صغيرها بحب الصلاة والصوم، لكن المقطع التالي من الأغنية هو الذي اشتهر أكثر وانتشر في بلاد المشرق العربي، "يلا تنام يلا تنام وادبحلا طير الحمام روح يا حمام لا تصدق بضحك على ريما تاتنام"، ويمكن تغيير ريما باسم أي طفل.
وتكرر وجود طير الحمام في فلسطين، حيث غنت الأمهات "يلا تنام يلا تنام وأهديلك طير الحمام.. روح يا حمام لا تصدق بغنيله حتى ينام.. شعره نازل على جبينه.. روحي وعمري بهدي له".
أغنية الوزير الصغير
أما تهويدة السودان، فجاءت الكلمات على لسان الطفل الذي يحدث والديه "ماما وبابا حبوني.. وأنا ختيتهم في عيوني.. حصاني كبير.. وبجري شديد.. وأنا من فوقه كأني أمير.. أخش الجامعة وأبقى وزير".
مومو المغربية وبشة الجزائر
بينما تدندن الأمهات في المغرب بأغنية "نيني يا مومو"، والتي تطلب فيها الأم من صغيرها أن ينام حتى ينضج العشاء، وإن لم ينضج فلينم حتى ينضج عشاء الجيران، لتعده الأم بوجود طعام حينما يستيقظ من نومه "نيني يا مومو.. حتى يطيب عشانا.. ولا ما طاب عشانا.. يطيب عشا جيرانا".
وغنت الأم الجزائرية لطفلها "نني نني يا بشة.. كل عصفورة في العشة.. نني نني ليكي نغني.. تكبر بنتي وتتمشى". وفي تونس تتغزل الأمهات بجمال أطفالها وزوجها "نني نني جاك النوم.. أمك قمرة وأبوك نجوم.. وانت تميرة في عرجون .. وحويتة في بحرها تعوم.. يا هليل في أول يوم".
الحنين بالحجاز العراق
وعلى عكس كلمات أغاني المهد البسيطة والحالمة، جاءت التهويدة العراقية بمشاعر الحزن والحنين، حينما عبرت الأم لوليدها عن فراق الأحباب وخاصة إذا كان الأب غائبا، وكيف تتوهم عند سماع صوت الرياح أن حبيبها قد عاد، إذ تغني "دللول يالولد يا بني دللول.. يمه عدوك عليل وساكن الجول.. يمه ھب الھوى وإصطكت الباب.. ترى حسبالي يا يمه خشت أحباب".
أما في بلاد الحجاز، فيظهر تأثير وجود الأماكن المقدسة في مطلع التهويدة التي جاءت في صورة قصة:
"دوها يا دوها.. والكعبة بنوها.. وزمزم شربوها.. سيدي سافر مكة.. جب لي زنبيل كعكعة.. والكعكة في المخزن.. والمخزن مالو مفتاح.. والمفتاح عند النجار.. والنجار يبغى الفلوس.. والفلوس عند السلطان.. والسلطان يبغى المناديل.. والمناديل عند الصغار.. والصغار يبغوا الحليب.. والحليب عند البقرة.. والبقرة تبغى الحشيش.. والحشيش فوق الجبل.. والجبل يبغى المطرة.. والمطرة عند ربي.. ياربي حط المطرة.. يا مطرة حطي حطي".
تهويدة بكل لغات العالم
وعلى خلاف ما تتميز به تهويدات الأطفال من خصوصية ثقافية، فإن أغنية "النجمة المتلألئة الصغيرة" (twinkle twinkle little star how I wonder what you are) الإنجليزية، تعد من أشهر أغاني ما قبل النوم للأطفال، وقد انتشرت في العالم كله وتمت ترجمتها للعديد من اللغات، كالفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية واليابانية والصينية والهندية، وبالعربية تقول: "أضيئي أضيئي يا نجمة صغيرة.. فوق العالم كم أتعجب من جمالك".
وفي النهاية ستبقى مثل هذه الأغاني والتهويدات إرثا ثقافيا يتناقله الخلف عن السلف، وستحدث عليها بعض التطويرات التي تتناسب مع التغيرات المتلاحقة التي تحدث في مختلف المجتمعات، وقد تختلف بعض الكلمات لكن لن يختفي هذا الفن ما بقي النوم والليل والنهار.
المصدر : الجزيرة