ربما مدينة غزة الوحيدة من كل بلدان العالم الإسلامي تعيش شهر رمضان كل عام في ظروف متقلبة فتارة تحت القصف وأخرى تحت منع التجول الذي فرضه الاحتلال في انتفاضتها الأولى، ومع ذلك كان يصر سكانها على ممارسة طقوسهم وشعائرهم الرمضانية.
مجرد أن يعلن مفتي الديار رؤية هلال رمضان، تصدح مكبرات المساجد بالتهليل ويصطف الآلاف من المصلين لتأدية صلاة التراويح، ومن بعدها تعج الأسواق بالمتسوقين لشراء مستلزمات المائدة الرمضانية، لكن هذا العام مختلف جعل قطاع غزة تتشابه حكاياته الرمضانية مع بقية مدن العالم الاسلامي بفعل جائحة كورونا التي ألزمت الجميع بيوتهم.
اليوم وفي زمن الكورونا، باتت المساجد فارغة فلا يدخلها سوى المؤذن وخلفه الإمام، بعدما كان الرجال يقضون جل صلواتهم في باحات المساجد لاسيما العتيقة كالمسجد العمري والسيد هاشم بحي الدرج، وبالكاد يكون متسعا لأحد وقت الصلاة، لكن اليوم خلت تلك المساجد من المصلين وصوتهم عند تلاوة القرآن.
وعوضا عن ذلك تحاول بعض العائلات تأدية صلاة التراويح مع أفراد الاسرة جماعة ويتنافسون حول عدد ختم القران الكريم طيلة الشهر المبارك، عدا عن تشجيع الصغار حديثي الصوم على تأدية الفريضة وكذلك الصلاة وتلاوة ما تيسر من آيات الكتاب.
أما بالنسبة لزيارات صلة الأرحام اعتادت بيوت الغزيين أن تعج بالزائرين بعد صلاة التراويح، لكن في زمن الكورونا لاتزال الحركة خفيفة جدا لالتزام الكثير من العائلات بيوتها.
عدا عن العزائم الرمضانية حيث جرت العادة أن يكون اليوم الأول عائليا بامتياز حيث يلتف الأبناء والاحفاد حول الجد الكبير وتعد وجبة رئيسية يفتتح فيها الشهر وغالبا تكون المقلوبة أو الفتة وبجانبها طبق الملوخية وبعض المقبلات، لكن هذا لم يحدث هذه المرة الا قليلا.
واعتادت الأسر الغزية تناول افطارها على شاطئ البحر هربا من انقطاع التيار الكهرباء أو الحر، إلا أن هذه المرة الحال تبدل فلم يعد كورنيش غزة أو الاستراحات الأخرى مكتظة بالعائلات على غير العادة.
ليست الاستراحات على الشاطئ وحدها فارغة، وكذلك الأسواق لاسيما الشعبية منها فكانت دوما من بعد صلاة العصر وحتى اقتراب اذان المغرب مزدحمة جدا وتكون شرطة المرور تنظم حركة السير، لكن جائحة كورونا أيضا ألزمت المواطنين منازلهم وجعلتهم يخرجون فقط لشراء الضروريات والعودة سريعا.
ودوما كان الحال بعد تناول الإفطار تسمع أصوات المفرقعات النارية وصوت الصغار يركضون بين الازقة في الحارات والمخيمات لكن هذا العام الهدوء هو سيد اللحظة.
ورغم تبدل الحال في كثير من العادات الرمضانية إلا أن زينة البيوت كانت بشكل "مبالغ فيه" كما وصفه البعض، حيث أحبال الإضاءة التي تتدلى من شرفات المنازل وكذلك الفوانيس المضيئة والأواني المنزلية المنقوشة بجملة "رمضان كريم" وغيرها.
كما أن أصوات الضحك وثرثرة المساء تبدو واضحة حين تخرج من الشرفات، حيث الصغار الذين يطلبون من أمهاتهم وجبة شهية على السحور، وكذلك الكبار من طلبة المدارس والجامعات تبدل حالهم بعدما كانوا ينامون باكرا ليلتحقوا بمحاضراتهم ودروسهم فباتوا يسهرون لتأدية طقوسهم لوقت متأخر وحتى ساعات الصباح فانقلب ليلهم نهارا.
ومع هذه الطقوس الرمضانية الجديدة على الغزيين، باتوا أيضا يرددون في صلواتهم وقبل تناول الإفطار دعاء اجمعوا عليه "اللهم ارفع عنا البلاء".