"صرح مصدر قال مسؤول.. إن الطب اتقدم جدا، والدكتور محسن بيقول إن الشعب المصري خصوصا من مصلحته يقرقش فول.. حيث الفول المصري عموما يجعل من بني آدم غول".
هكذا تحدث الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم عن الفول، وهو جزء أصيل في الثقافة المصرية في رمضان، خاصة على موائد السحور، حيث يبقي معدة الكثيرين قادرة على الصمود لأطول فترة ممكنة، بأرخص وجبة مشبعة.
لكن الأمر اختلف هذا العام بسبب جائحة كورونا، إذ اختفت عربات الفول التي كانت تعج بها شوارع القاهرة لتقدم وجبات السحور المميزة بأطباق متنوعة، لا تعتمد فقط على الفول، بل يجاورها ما لذ وطاب من الأطباق الشعبية المصرية كأقراص الطعمية الساخنة، وأصابع البطاطس المقرمشة، وأطباق الباذنجان على اختلافها.
ذهبت موائد السحور في الشوارع أدراج رياح كورونا، وأنهى حظر التجول ما اعتاده المصريون من بهجة ليلية لا تنقطع من أذان المغرب حتى مطلع الفجر.
وجبة السحور بالمطاعم الشعبية قبل تطبيق حظر التجول في رمضان هذا العام (رويترز) |
خسائر كورونا
اعتاد المعلم عبد البديع لسنوات تجهيز عربته الخشبية وثلاث قدور ممتلئة بالفول. كانت تلك هي العدة اليومية لواحد من أشهر بائعي الفول في حي الجمالية، والذي يدير محلات فول الحاج رفاعي.
كانت القدور الثلاث ترسي قواعدها في نفس المكان كل ليلة من بعد أذان المغرب حتى الساعة الثانية صباحا، في حركة بيع لا تنقطع.
يحكي عبد البديع للجزيرة نت عن رمضان قبل أن ياتي زمن الوباء "كنت أعد القدور الثلاث، وأقضي الليل في حالة بيع مستمر، ومعي ثلاثة من المساعدين، لكن الآن أقف منفردا بقدر واحدة نصف ممتلئة، أبدأ العمل من بعد صلاة الظهر حتى السادسة، وأنهي العمل قبل موعد الحظر".
المعلم عبد البديع أحد أشهر بائعي الفول في حي الجمالية الشعبي بالقاهرة (الجزيرة) |
محلات الرفاعي بحي الحسين كانت تملك محلا آخر خاصا بموائد السحور، إذ تمتد الطاولات الصغيرة بطول الشارع الضيق، لكن في هذا العام اختفت تلك الموائد وأغلق المحل.. يقول عبد البديع "لماذا نفتح المحل؟! لا أحد يأكل طعمية ولا البطاطس ولا الباذنجان.. الجميع يطلب الفول".
يسد عبد البديع مدخل المحل بألواح من الأخشاب تجبر المشتري على الوقوف على مسافة متر بعيدا عن البائع، هذه هي الطريقة الوحيدة التي اعتمدها للوقاية من كورونا بلا كمامات أو مطهرات، مؤكدا بيقين "الحامي هو الله، والحمد لله حتى الآن الجمالية خالية من كورونا".
سفينة
الطريق إلى شارع المعز كان دوما مفروشا بعربات الفول، وروائح الأطباق الشعبية الشهية المتصاعدة من الطعمية والثوم والباذنجان، فقد كان يسيل له لعاب المارة من كل حدب وصوب.. ولم يكن يتوقع أحد أن يخلو شارع المعز من زواره، وأن يخلو الشارع أيضا من جميع مباهجه وعلى رأسها عربات السحور، إلا "سفينة".
في المفرق الموصل بين شارعي المعز والجمالية، يقف محمد سفينة على رأس عربة الفول -التي يملك قدورها أبًا عن جد- في الشارع الذي تحده المعالم الأثرية من جميع جوانبه.. كان سفينة ملتقى السائحين والباحثين عن سحور متميز وسط أجواء رمضانية مختلفة، لكن الأمر تغيّر الآن، فما عادت الأجواء كما كانت، ولا عاد سفينة قادرا على بيع أطباق الفول ومشتقاته.
بات ممنوعا تقديم وجبات السحور في شوارع القاهرة (رويترز) |
اضطر "سفينة" أن يبيع أكياس الفول للطالبين أثناء ساعات النهار فقط، أما ليلا فيمنعه الحظر، حيث يقول للجزيرة نت "أبلغتنا الشرطة بقائمة ممنوعات تشمل الزحام وموائد السحور والفراشة بجوار المحل، حتى البيع في الأطباق ممنوع.. المسموح به فقط هو كيس الفول، وعلى بعد متر من مدخل المحل".
موسم الرزق السنوي انتهى بالنسبة لسفينة وزملائه من باعة الفول في بر القاهرة، لكن يوما ما سينتهي الوباء ويعود الفول طبقا رئيسيا على موائد رمضان.
المصدر : الجزيرة