ضمن تغطيتها لجائحة فيروس كورونا المستجد وتفاعلها مع أسئلة القراء، تشرع الجزيرة نت في نشر الدفعة الأولى من سلسلة فتاوى عن صيام شهر رمضان وأداء صلاة التراويح عن بعد والخروج من الحجر الصحي، في ظل هذه الظروف.
واستقبلت الجزيرة نت أسئلة الجمهور عبر منصاتها للتواصل الاجتماعي، ورفعتها إلى لجنة الفتوى في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (*).
وقال الاتحاد إن اللجنة تناقشت بشأن الأسئلة نقاشا مستفيضا، واطلعت على ما كتبه المتخصصون من الأبحاث الطبية المحكمة، وتواصلت مع بعض الخبراء، واطلعت على إفادة منظمة الصحة العالمية.
وفيما يلي الفتاوى الثلاث الأولى التي أقرتها اللجنة:
صيام شهر رمضان
1- تأكيد ما صدر من فتاوى معتبرة في الموضوع نفسه من المجامع الفقهية والهيئات الإفتائية، حيث أفادت بأن الصيام في زمن كورونا واجب على كل مسلم مكلف صحيح مقيم.
2- الصيام لا يؤثر سلبيا على المناعة، ولا علاقة له بالعدوى بفيروس كورونا، وقد أثبتت الدراسات العلمية وأفاد المتخصصون في الطب بأن الصيام عامل من عوامل المناعة الجسدية، وهو مع ذلك يقوي عزيمة الصائم وإرادته، مما يعزز مناعته ضد الوباء ونحوه.
3- الواجب على المسلم المكلف الصحيح المقيم صوم رمضان للنص الشرعي القطعي في قوله تعالى {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: 185)، فلا يجوز لمن كان كذلك أن يفطر في رمضان لمجرد التخوف المتوهم من ضعف المناعة لعدم ثبوت ذلك طبيا.
4- من كان غير قادر على الصوم لمرضه، سواء بمرض كورونا أو بغيره، فقد رخص الله له في الفطر رحمة منه تعالى، ويجب عليه القضاء بعد زوال العذر المبيح لفطره، لقوله تعالى {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 185).
5- من أخبره طبيب عدل أن الصوم يفاقم مرضه ويعرضه للعدوى فله أن يفطر ويقضي، وهو كسائر المرضى.
6- توصي اللجنة بناء على ما ذكر وعطفا على فتواها السابقة (فتوى رقم2 بتاريخ 25 رجب 1441هـ الموافق 21 مارس 2020م) بإقامة صلاة التراويح والتهجد في البيوت، ولا مانع من القراءة من المصحف.
كما تنوه اللجنة بالجهات المسؤولة عن المساجد في كل بلد، إن أمكن ذلك طبيًّا، أن تأذن في إقامة الجمعة والتراويح من قبل الإطار المسجدي لثلاثة أشخاص (الإمام والمؤذن وقيم المسجد)، مع أخذ الاحتياطات اللازمة.
7- تدعو اللجنة المسلمين والمسلمات كافة إلى استغلال شهر رمضان واغتنام أوقاته وبركاته للتوبة من الذنوب بأنواعها، ودفع المظالم ونصرة المظلوم، والتضرع لله بأن يرفع الضر عن عباده. كما تدعوهم إلى إحياء بيوتهم وجمع عائلاتهم على ذكر الله تعالى ومدارسة القرآن وسنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما استقر ذلك عند المسلمين وتقرر بأدلته وقواعده الشرعية.
أداء صلاة التراويح بوسائل التواصل عن بعد
1- تعد صلاة التراويح سنة مؤكدة، وإحدى شعائر الإسلام العظيمة، وتؤدى في المساجد وفي البيوت. وأداؤها في المساجد من شعائر الإسلام المعلنة لتعظيم الدين وتحقيق آثاره في النفوس والمجتمع. وقد صلاها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم تركها خشيةَ أن يعتقد الناس أنها فرض، ثم فعلها الصحابة -رضي الله عنهم- باتفاق، وتتابع عليها عمل الأمة في العصور كافة.
ومن أداها في غير المسجد فقد أداها صحيحة وأصاب السنة، ويُعد الجمع بين الأداء في المساجد والبيوت جمعا بين السنة المؤكدة والشعائر المعظمة.
2- أداء صلاة التراويح جماعة تجري عليه أحكام الجماعة من حيث تقدم الإمام المأمومين، وائتمامهم بإمامته، بناء على حديث النبي صلى الله عليه وسلم «إنّمَا جُعِلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ بهِ» [متفق عليه].
وصلاة الجماعة وكيفيتها توقيفية، لا يجوز الزيادة عليها أو تغييرها بإحداث صورة ليست منصوصة ولا في معنى المنصوص، لعموم الحديث: «صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» [أخرجه البخاري].
وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترا عمليا وعن صحابته من بعده الحفاظ على الكيفية التوقيفية.
وهذه الصورة التوقيفية لها محددان شرعيان هما الاجتماع مع الإمام في مكان واحد، والعلم بأقواله وأفعاله في المكان الواحد ليتم الاقتداء، وهذا معلوم بالاستقراء للنصوص ومعانيها، وهو ما اتفقت عليه المذاهب الفقهية.
والصلاة عن بعد بين المدن أو القرى أو الضواحي أو الاحياء السكنية في المدينة الواحدة عن طريق وسائل التواصل الحديثة كالتلفاز والإنترنت، تعد صورة مستحدثة لأداء صلاة التراويح، ومخلة بالكيفية المنصوص عليها المبنية على المحددين الشرعيين المأخوذين من استقراء النصوص واتفاق الفقهاء، من حيث اتحاد المكان ومتابعة الإمام. فالجماعة مشتقة من الاجتماع في مكان واحد، وما كان له نفس المعنى الشرعي، وليس كذلك الصلاة مع التلفاز والمذياع والشبكة.
وعليه فإن اللجنة ترى عدم جواز صلاة الجماعة على هذه الهيئة، ويسع المسلم أداء صلاة التراويح في بيته ومع أهله بما تيسر له من القرآن، كما هو ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم، ولو بالقراءة من المصحف.
وتوصي اللجنة بإحياء صلاة التراويح وسائر الصلوات الجماعية في المساجد ولو من قبل الإطار المسجدي (الإمام والمؤذن وقيم المسجد) بإذن الجهة الرسمية، وشريطة الالتزام التام بالاحتياطات الصحية، والانضباط بقوانين البلد المتعلقة بالإجراءات الوقائية من عدوى هذا الوباء. ويجوز لمن كان بيته ملاصقا للمسجد بحيث يجمعه بالإمام مكان واحد يمكنه من رؤيته وسماع تكبيراته، أن يأتم به من بيته.
وتذكّر اللجنة بأن إقامة صلاة التراويح في البيوت جماعة تسهم في إضفاء الأجواء الإيمانية في نطاق الأسرة، ويُمَكن جميع أفرادها من إحياء ذكر الله في البيوت، وهو ما طلبه الشرع ورغّب فيه.
الحكم الشرعي للخروج من الحجر الصحي، وعدم احترام الاشتراطات الضرورية بالنسبة للمريض أو المشتبه في إصابته؟
يجب على المريض المصاب بفيروس كورونا أو المشتبه في إصابته أن يلتزم بالاشتراطات الصحية التي وضعتها الجهات المعنية في بلده، ولا يجوز له أن يخالف العزل الصحي فيكون سببا في نقل المرض إلى الأصحاء، وإذا كان خروجه سيؤدي إلى نشر العدوى، فجلوسه في العزل يعد أمراً واجبا وجوبا شرعيا وقانونيا وأخلاقيا.
فقد ثبت عن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا يُورد مُمْرِض على مصح" (متفق عليه)، وقال أيضا "فر من المجذوم كما تفر من الأسد" (أخرجه البخاري)، وقد مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة مجذومة وهي تطوف بالبيت، فقال لها "يا أمة الله لا تؤذي الناس، لو جلستِ في بيتك.. فجلسَتْ، فمرَّ بها رجل بعد ذلك، فقال لها: إن الذي كان قد نهاك قد مات، فاخرجي، فقالت ما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا (أخرجه مالك في الموطأ).
فعزل المريض والبعد عن مخالطته إلا لضرورة، مع الاحتياط الشديد من عدم حصول العدوى والضرر، قد أمرت به الشريعة الإسلامية كما مر من النصوص، وقد منع جمهور الفقهاء المصاب بمرض مُعدٍ من مخالطة الأصحاء دفعا للضرر والأذى الذي يحصل بمخالطتهم.
وبناء على ذلك، نقول إنه يجب على المريض أو من يشتبه في مرضه بهذا الوباء المعدي أن يلتزم بأوامر ونصائح الجهات المعنية في بلده، ولا يجوز له مخالفة إجراءات العزل الصحي فيكون سببا في نقل المرض إلى الأصحاء، فإن هذا من الإضرار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "لا ضرر ولا ضرار".
وبقاء المريض في معزله تدبير منوط بالجهات المختصة، فإن رأت ضرورته صار واجباً بناء على القاعدة الأصولية "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وتعاونه مع هذه الجهات هو من باب التعاون على البر والتقوى، لقوله تعالى {وتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2).
(*) لجنة الفقه والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الشيخ الأستاذ الدكتور نور الدين الخادمي رئيسا
الشيخ الأستاذ الدكتور علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الشيخ الدكتور فضل مراد عضوا ومقررا
الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد جاب الله عضوا
الشيخ الدكتور سلطان الهاشمي عضوا
الشيخ الدكتور أحمد كافي عضوا
الشيخ ونيس المبروك عضوا
الشيخ سالم الشيخي عضوا
الشيخ الأستاذ الدكتور صالح الزنكي عضوا
الشيخ الدكتور محمد الرايس عضوا
المصدر : الجزيرة