غزة – الرسالة نت
يتكئ أبو يوسف على مساند قديمة ويتمدد على فرشة مماثلة ويضع قدحا من الشاي على أريكة قديمة يقارن بين بخاره المتصاعد، والنار الملتهبة في جسده التي أشعلها الفقر منذ عشر سنوات عندما فقد مصدر دخله في الأراضي المحتلة عام ثمانية وأربعين.
خمس خطوات فقط كفيلة باجتياز باحة المنزل التي اختلطت ألوان جدرانه المتهالكة مجسدة علامات الفقر الذي خط توقيعه على جبين الرجل الأربعيني.
بين جدران المنزل الصغير في إحدى مخيمات اللجوء يخفي أبو يوسف فقره ويحاول تدبير متطلبات أسرته اليومية " ننتظر ما تصرفه وزارة الشئون والوكالة كل ثلاثة أشهر لتسديد الديون المتراكمة عليه" كما يقول.
في زاوية المنزل وضعت ثلاثة أكياس اسمنت وأسياخ من الحديد، خصصتها الإغاثة الطبية لإنشاء "عتبة" تسهل حركة ابنة أبو يوسف المعاقة في دخول المنزل والخروج منه.
وتعاني ابنته الملتحقة بالصف الخامس الابتدائي من إعاقة خلقية جعلتها طريحة الكرسي المتحرك، وهو ما يزيد من الأعباء الملقاة على كاهل أبو يوسف.
تقف أم يوسف على باب الغرفة الوحيدة في المنزل تلتف نظراتها على السقف والجدران، وهي تشتكي سوء المسكن واختراق البرد لأجسادهم شتاء، والتهابها صيفا.
في مطبخ الأسرة البسيط تتناثر بعض الأواني التي لفها السواد لقدمها، ولا يكتفي المكان لوقوف اثنين بداخله.
وتركت الرطوبة آثارها على جدران المنزل بعدما انتزعت طلائها، وراحت خيوط الشمس تنسحب من المكان بعدما اضطر رب الأسرة إغلاق ما تبقى من متنفسات الباحة كي يتسنى لأبنائه أن يناموا فيها بعيدا عن اكتظاظ الغرفة.
وتتناثر قطع الملابس على أحبال الغسيل المرصوصة في ذات الباحة، وبدا القدم على ملابس الأطفال.
ويعول أبو يوسف على أهل الخير لمساندته والوقوف بجانبه لانتشاله من حفرة الفقر العميقة التي كادت تخنقه، ولم تفلح محاولاته للخروج منها عله يتمكن من التقاط أنفاسه.