توصل علماء من جامعة جنيف بسويسرا إلى السبب وراء الظاهرة الغريبة التي حيرت علماء الفلك طوال ألف عام، وهي اختفاء القمر تماما من السماء عام 1110، على عكس أي خسوف قمري آخر، حين يظل مخطط القمر ظاهرا قليلا.
رغم أن هذا الحدث كان معروفا جيدا في تاريخ علم الفلك، فإن الباحثين لم يتصوروا أبدا أنه ربما كان ناتجا عن وجود الهباء الجوي البركاني، وهو السبب الأكثر احتمالا.
وهذا ما تشير إليه الدراسة الجديدة التي نشرت في دورية "ساينتفيك ريبورتس" في 21 أبريل/نيسان الماضي، حيث يعتقد الباحثون أنهم استطاعوا حل اللغز أخيرا، من خلال تحليل النوى الجليدية، وهي العينات المأخوذة من أعماق الصفائح أو الأنهار الجليدية.
خسوف القمر الأسود
وجد الباحثون، من خلال تحليل النوى الجليدية وكذلك حلقات الأشجار، أن عام 1109 كان أكثر برودة بكثير من 1108، مما يشير إلى وجود طبقة رقيقة من الهباء الجوي أو الجزيئات العالقة في الغلاف الجوي.
كانت سلسلة من الانفجارات البركانية حول العالم قد ضخت الغبار والكبريت في الغلاف الجوي في السنوات التي سبقت ظاهرة تلاشي القمر، ويشرح الفريق أن هذا هو على الأرجح السبب الذي جعل القمر غير مرئي أثناء حدوث خسوف للقمر في عام 1110.
كان الخسوف قد حدث في مايو/أيار عام 1110، وسجله كاتب جريدة بيتربارا كرونيكل، وهي جريدة الوقائع الأنجلوساكسونية أثناء الاحتلال النورماندي للجزر البريطانية.
يتحدث كاتب الوقائع عن الظلمة الاستثنائية للقمر قائلا "في الليلة الخامسة من شهر مايو/أيار ظهر القمر يلمع ساطعا في المساء، وبعد ذلك بقليل، تضاءل ضوؤه، وبمجرد حلول الليل، أخمد تماما، بحيث لم يُر ضوء ولا جرم سماوي، ولا أي شيء على الإطلاق".
وبعد قرون من حدوثه، كتب الفلكي الإنجليزي جورج فريدريك تشامبرز عن ذلك، قائلا "من الواضح أن ذلك الخسوف كان بمثابة خسوف أسود عندما يصبح القمر غير مرئي تماما بدلا من أن يلمع مع لون نحاسي مألوف".
في السنوات التي سبقت اختفاء القمر كانت هناك سلسلة من الانفجارات البركانية حول العالم ضخت الغبار والكبريت في الغلاف الجوي (بيكساباي) |
جبل أساما
حاول العلماء تحديد البركان المسؤول عن سحابة الكبريت التي أدت إلى اختفاء قمر 1110، من خلال جمع عدد من الأدلة.
وفي حين أنه من المستحيل معرفة ذلك على وجه اليقين، فإن الفريق البحثي يعتقد أن الأكثر احتمالا أنه بركان "جبل أساما" الياباني، الذي أنتج ثورانا عملاقا استمر شهورا في عام 1108، وكان أكبر بكثير من ثوران لاحق له في عام 1783 قتل فيه أكثر من 1400 شخص.
فكما جاء في مذكرات أحد رجال الدولة (اليابان) في عام 1108 أنه "كانت هناك نيران في الجزء العلوي من البركان، وفي كل مكان أصبحت حقول الأرز غير صالحة للزراعة. لم نر ذلك قط في البلاد. هذا شيء غريب ونادر".
وتؤكد الوثائق التاريخية الأخرى، لا سيما حسابات التأثيرات المناخية والمجتمعية في السنوات 1109-1111م، الفرضية القائلة إن ثوران 1108 أو سلسلة الانفجارات التي بدأت في ذلك العام، قد أدت إلى آثار كارثية على المجتمعات المتضررة.
وقد وجد الباحثون "وفرة من الشهادات التي تشير إلى سوء الأحوال الجوية، وفشل المحاصيل، والمجاعات في هذه السنوات"، مؤكدين أن "الأدلة المجمعة تشير إلى أن الصعوبات التي بدأت في 1109، عمقت المجاعة في مناطق عدة من أوروبا الغربية".
طوال فترة زمنية طويلة، لم تعتبر تلك الصعوبات نتيجة حدث ثوران بركاني، لكن الباحثين يقولون إن جميع الأدلة تشير إلى مجموعة "منسية" من الثورات البركانية في 1108 إلى 1110 تسببت في عواقب رهيبة على الإنسانية، "نحن نعيد اكتشافها الآن فقط". وكانت هي السبب كذلك في اختفاء قمر 1110.
وكتب الباحثون في الدراسة أن ملاحظة فريدة من القرون الوسطى حول الخسوف القمري الكلي "المظلم" تشهد على غبار فوق أوروبا في مايو/أيار 1110، مما أدى إلى تأكيد نتائج التسلسل الزمني المنقح لنوى الجليد.
وعلاوة على ذلك، يشير التقييم الدقيق لسجلات نوى الجليد إلى حدوث العديد من الانفجارات البركانية المتقاربة بين 1108 و1110م.
المصدر : الجزيرة