مركز الأطراف الصناعية بغزة ...ألم وأمل وتحد

غزة - ياسمين ساق الله – الرسالة نت

مع كل يوم جديد تتجدد إشراقة شمس الأمل والتحدي داخل أسوار هذا المبنى الصغير المكون من طابقين وعدد من الغرف البسيطة المكتظة بالمعدات والأجهزة، فأينما تواجدت بداخله تجد أشخاص جالسين هنا وهناك والابتسامة والأمل والتفاؤل لا يغادر أجسادهم المبتورة.

في مركز الأطراف الصناعية في قطاع غزة وداخل كل غرفة تروى حكايات معاناة ممزوجة بالتحدي والإرادة الصادقة "الرسالة نت" اخترقت جدار المركز وتجولت داخل أروقته البيضاء الجميلة واقتربت أكثر فأكثر  والتقت ببعض حالات البتر وأخصائيين عالميين لتسليط الضوء على كل من يعاني بداخله من ويلات الحرب الإسرائيلية.

ويعتبر المركز الوحيد في القطاع وتأسس عام 1976 بواسطة الهيئة الخيرية لقطاع غزة برئاسة رشاد الشوا ليخدم ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعمل المركز التابع لبلدية غزة على مساعدة حالات البتر في القدمين أو الساقين بتوفير طرف صناعي يستطيع المريض من خلاله متابعة حياته بشكل طبيعي بعد أن يتدرب على التعامل معه.

ابتسامة وتحد

بينما كان جالسا على كرسي داخل غرفة التأهيل والتدريب الممزوجة باللون الأبيض والأزرق واضعا عكازيه بجانبه منتظرا دوره، اقتربت منه "الرسالة نت" وتحدثت إليه عماد عودة " 29 عاما " يقطن في منطقة التوام شمال غرب مدينة غزة متزوج ولديه طفلان قال برفقة ابتسامته :" بداية احمد الله على كل شيء فإصابتي لن تعيق حياتي، مضيفا: أصبت في يوم العاشر من الحرب الأخيرة على غزة من خلال قصف جوي أدى لإصابتي واستشهاد اثنين ".

ويتابع عماد حديثه والابتسامة لا تفارق ملامح وجهه القمحي:"بترت قدمي اليسرى لتبدأ رحلة علاجي بالمركز على تركيب الطرف كي أعود للمشي, والحمد لله افتخر بأنني مشيت في طريق يرضي الله ووطني ولست نادما على فقدان قدمي وأشعر أنني لم أقدم شيئا لوطني وقضيتي".

وبصحبة ملامح الاعتزاز والثقة بالنفس يشدد عودة على عدم الشعور باليأس والإحباط عند تعرض الإنسان لحدث ما، منوهاً أنه ما زال تحت مرحلة التأهيل والتدريب لتركيب طرف صناعي. 

ويتعامل فنيو المركز مع كافة أنواع البتر سواء كان في الأطراف العلوية أو السفلية وسواء كان ذلك البتر طويلا أو قصيرا، كما نجحوا في إحراز تقدم في حالات البتر المبتدئي بالحوض والتي تعتبر من ناحية فنية معقدة مضيفا أن المركز أنتج أول طرف من هذا النوع ونتائجه كانت حسنة.

تجدد الأمل

كانت نائمة على سريها الأخضر تتلقى تعليمات الأخصائية الواقفة بجوارها داخل تلك الغرفة الصغيرة المكتظة بالمعدات والأطراف الصناعية وغيرها من الأدوات والسرائر والأطباء الحاجة تمام بسيوني سكان بيت حانون في الخمسينات من العمر وأم لثمانية بنات، قالت للرسالة متنهدة :" جئت المركز لتركيب طرف صناعي لقدمي اليسرى التي بترت في بداية العام الجاري نتيجة إصابتي بمرض السكر من ما يقارب العشرين عاما".

وبلهفة وعيون تغمرها لغة التفاؤل تقول الحاجة بسيوني :" منذ ثلاثة شهور أمارس تمارين علاجية لتقوية العضلات وتطويلها والحفاظ على شكل جيد للبتر من أجل التعود على الطرف بعد تركيبه وأتمنى قدوم تلك اللحظة بفارغ الصبر".

وتختم بسيوني حديثها قائلة:" الحمد لله على كل شي فأنني سعيدة جدا كوني سأعود لممارسة حياتي الطبيعة وللمشي على أقدامي من جديد والتحرك بسهولة بالإضافة إلى التمكن من زيارة الأقارب والخروج لأي مكان  والقيام بأي عمل بالمنزل كان من الصعب القيام به نتيجة إصابتي".  

وتبلغ تكلفة الأطراف الصناعية ما معدله ثمانية آلاف شيكل للطرف السفلي تقل وتزيد حسب الاحتياجات التي تتطلبها كل حاله وسواء كان الطرف فوق الركبة أو أسفلها ، كما تبلغ تكلفة الطرف العلوي خمسة آلاف شيكل، بينما تكلف أجهزة الشلل من 2500 شيكل حتى 3000 حسب الإضافات التي تدخل عليها.

بلباسها الأبيض الساطع تحدثت أماني حداد أخصائية عالج طبيعي بالمركز حول طبيعة عملها مع الحالات , قائلة :" عملي هو تأهيل المريض وتعليمه كيفية التعامل مع الأطراف الصناعية قبل تركيب الأطراف وبعدها وذلك من خلال القيام بتمارين علاجية وتأهيلية ".

وبثقة عالية تضيف الحداد :" بعد فترة من التدريب تبدأ مرحلة إضافة الجماليات فنغطيه بمادة الإسفنج كي يبدو بشكل لائق", موضحة في  الوقت ذاته ان عدم توافر المواد الكافية لتجهيز الأطراف من الصعوبات التي تعرقل العمل بالمركز.

وتختم الأخصائية حديثها قائلة :" أكثر ما يؤلم المريض الانتظار الطويل قبل تركيب الأطراف الصناعية, مما يشعره بأنه عالة على المجتمع فتتعب نفسيته ", مشيرة إلى أن عدد الحالات التي تتعامل معها يوميا في تلك الفترة تبلغ ستة حالات.

ووفق إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة خلفت الحرب 1200 شخص أصيبوا ببتر في الأطراف.

 أطراف صناعية محلية

وقال مدير المركز حازم الشوا :"إن المركز يتعامل مع خمسة آلاف حالة كانت قبل الحرب الأخيرة على غزة من مرضى السكر وضغط الدم وتصلب الشرايين إضافة إلى ضحايا حوادث الطرق، وجرحى الانتفاضة والاقتحامات الإسرائيلية والقصف، مشيرا إلى أن العدد تضاعف بعد الحرب الأخيرة على غزة ويتوقع أن يحتاج أكثر من 250 شخص لأطراف صناعية .

وأضاف الشوا أن علاج الحالات يحتاج لشهر أو أكثر نظرا للتشوه الكبير بفعل آلة الحرب الإسرائيلية.

وبين مدير مركز أن المركز قام خلال الشهر المنصرم بفحص ومعاينة ومتابعة 30 حالة من ذوي الاحتياجات الخاصة حركياً لذوي الاحتياجات من المعاقين حركياً أو شلل في أحد الأطراف سواء في الأيدي أو الأرجل.

كما أوضح أن الأعمال بالمركز تشمل تصنيع وتجهيز الأطراف الصناعية المتنوعة وأجهزة شلل وتآكل مفصل الحوض وأجهزة مساعدة لتقوس وتقويم الساقين وسواند بلاستيكية مختلفة وأجهزة تقويم العمود الفقري بالإضافة إلى صيانة وتصليح عشرات الأجهزة والأطراف الصناعية.

وأكد الشوا أن مركز الأطراف الصناعية قد أسهم بشكل فعال في تخفيف آلام ومعاناة المعاقين حركياً من أبناء شعبنا الفلسطينيين، قائلا :"المركز مجهز بأحدث التقنيات الطبية، ويضم ثلاث وحدات هي وحدة الأطراف الصناعية ووحدة السواند البلاستيكية والأجهزة التعويضية ووحدة الشلل". 

وتحدث الشوا أن المركز ينتج خمسة عشر إلى عشرين طرفا شهريا، يتم تمويلها من وكالة الغوث للاجئين حيث تغطي 50 % من تكلفة الطرف بشرط ألا تتعدى تكلفته 500 دولار , متابعا:" هنالك برامج تمويل دولية ومحلية كالإغاثة الإسلامية التي تغطي تكلفة الطرف بالكامل، ومؤسسة "الهاندي كابت انتر ناشونال"، وغيرها.

وأضاف أن المركز يضم اثنين وعشرين بينهم مختصو علاج طبيعي ، و ثلاثة خبراء أجانب، وخمسة فنيين هم فقط الموجودين في القطاع لذلك يعمل المركز على تدريب طاقم مساعد كما ابتعث فنيين للتدريب في الخارج.

البث المباشر