قطعا لم يكن صادقا حينما قال بن غوريون أول رئيس وزراء للاحتلال "الكبار يموتون، والصغار ينسون"، فطيلة 72 سنة من الهجرة الفلسطينية يروي المهجرون للأبناء والأحفاد تفاصيل ربما لم توثقها الكتب، ويسردون تفاصيل بلداتهم وقراهم التي غادروها قسرا على يد الغزاة الصهاينة.
رحل الكثيرون من المهجرين إلى السماء، لكن لايزال أحفادهم يحفظون جيدا حارات وأزقة القرية أو البلدة التي هجر منها أجدادهم، فهذا شاب عشرينيا اليوم يحكي عن بئر قريته التي سمع الكثير من الحكايات عنه، وتلك شابة تحكي لصديقاتها عن نبع المياه التي كانت تذهب جدتها إليه يوميا لتعبئة الزير، عدا عن البساتين والجبال فكل تلك التفاصيل أنصت إليها الأحفاد جيدا وتمسكوا بها أكثر ليعودوا إلى ديارهم.
ولأن الأحفاد يعيشون في أماكن بعيدة عن قراهم المهجرة اختاروا أن يسترجعوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورا وحكايات، فعبر تويتر نشرت "لمى أبو يوسف" صورة لجدها "يوسف" وكتبت: “أول صورة من سنة ١٩٤٥ لما كان عمر جدي ١٩ سنة، والصورة الثانية قبل كم سنة لما عملوا معه مقابلة عن ذكرى النكبة، جدي لساته حافظ كل تفاصيل النكبة ودايماً بحكي لنا كيف تهجروا من قرية الجماسين".
وكذلك فعلت يارا مصطفى حين وضعت صورة لجدها الذي تجاوز التسعين عاما مغردة: سيدي خليل ولد بقرية برير عام ١٩٢٦، هُجر عام ١٩٤٨ وقتها كان عمره ٢٢عاما، دايمًا بحب يسمع أغنية وديع الصافي "على الله تعود بهجتنا والفراح وتُغمر دارنا" وقت يسمعها بتذكر البلاد ودموعوا بتنزل، في كل ذكرى بقول، "حنرجع ع برير بإذن الله ونزرع القمح من جديد"، مؤكدة أن الأمل موجود في الذكرى ٧٢.
وأرفقت يارا فيديو لجدها وهو يستمع لأغنية وديع الصافي من الهاتف المحمول، يهز برأسه ويمسح دموعه.
بينما أرفقت وعد غنطوس صورتين لكنيسة "إقرث" التابعة للقرية التي هجرت عائلتها منها، فكتب:" إمي وأهلها لاجئين من هنا، وأبوي واهله لاجئين من قرية كفر برعم، وأنا لاجئة، حفيدة وبنت فلاحين لاجئين خسروا أهم اشي عندهن بالنكبة، خسروا أرضهن الّي كانوا عايشين من خيرها (..) احنا بقينا بفلسطين بعاد عن بيوتنا ١٠ دقائق ومش قادرين نعيش فيها وهذا كثير قاسي".
وتابعت:" من أول ما بتذكر حالي، بتذكر لمّا كانوا يسألوني "من وين انت؟" كنت اقول "برعم وإقرث"، مشيرة إلى أنها ولدت وكبرت في حياة لكن لم تشعر أنها بيتها.
وتعلمت يارا من ذويها أن حيفا لها أهل سيرجعون لها، ولهم بيت فوق بالجليل من حجارة برعم وتراب إقرث.
ليرد عليها "منذر" بتغريدة أخرى يحكى موقفا مع عمه وهو جدها قائلا:" لاجئ من إقرث بحيفا، كان يزعل لما أقله انت من حيفا (مع كل احترامه الها، وأنه عايش فيها ٦٠ سنة)، كان يحكيلي: طلعت مع الولاد على إقرث، على الأرض الكنيسة والمقبرة، غلطت وسألته: عمي متأمل ترجع؟ جاوبني: يا عيب الشوم عهيك سؤال! بدك انساها عشان ستين سنة! إذا ما رجعت أنا برجعوا اولادي واحفادي".
قصص الأجداد لاتزال تروى على ألسنة الأحفاد يحفظونها غيبا وكأنهم عاشوا تلك الأيام، لاسيما وهم يسردون التفاصيل الصغيرة ويصرون على روايتها.
وفي صورة تناقلها رواد التواصل الاجتماعي كانت حديثه لرجل مقعد بصحبة زوجته وهم يقفون خارج بيتهم الذي اغتصبه وسرقه المستوطنون، كانوا يحاولون الدخول لكنهم لم يتمكنوا فهم سيكررون محاولاتهم ككل مرة حتى يعودوا إلى بيتهم ويطردون المحتل.