قائمة الموقع

صانعة الكعك .. .. الإرادة تهزم كل الظروف

2020-05-16T19:11:00+03:00
صانعة الكعك
الرسالة نت - وردة الزبدة

لم تكن تعلم فريال أن هذه المرة سوف يطول الانتظار ، منذ بدء أزمة كورونا و هي جالسة في بيتها على أمل أن تتصل بها الجمعية النسائية لتعاود العمل لديها من جديد .. 

حتى جاء هذا اليوم .. في الثاني من مايو وردها الاتصال المرتقب و قال : " جاءتنا طلبية كعك جديدة  نريدكِ أن تحضري "

في بيتها كانت تمضي الوقت مع أبنائها وتحاول ألا يتسرب اليأس إليها .. تعدهم أن تحضر إليهم ألذ الأطعمة بمجرد أن تعاود العمل لدى الجمعية ..

فريال التي مرت بأوقاتٍ صعبة عديدة كانت كافية لتهزم أي امرأة .. عانت الفقر المدقع في كل هذه الأوقات وكان رفيقاً لها على الدوام .. 

تعمل بيد .. وتهز السرير باليد الأخرى

تُحوّل فريال عجينة الكعك إلى دوائر ، بينما تلملم ذكريات الماضي ، حيث مصنع الخياطة .. حين كانت تعمل بيد و تهز سرير طفلها باليد الأخرى ، 

ليس الجمع بينهما وقتها كان أصعب ما عانته .. بل مشاكل عائلية أرهقتها وتكاتفت مع الفقر عليها منذ بداية زواجها حيث لم تكن تبلغ سوى 16 عاما !! 

بعد مرور فترة زمنية أصبحت فريال قادرة على أن تنفق -ولو بالحد الأدنى- على أطفالها من عمل الخياطة ، لقد كان ذلك  كفيلاً بإسعادها حيث تقول :

"فرحت أنني أصبحت قادرة على أن أطبخ لأطفالي و أشاهدهم وهم يشبعون من الطعام " غير أن سعادتها تلك لم تدم إذ حاصرتها المشاكل العائلية من كل مكان مما أوصلها مع زوجها إلى لحظة الانفصال ! 

مطلقة في عمر العشرين

" كنت أعلم أن المجتمع لا ينظر إلى المطلقة نظرة جيدة ، لذلك كنت أخاف الخروج من المنزل وأحرص على ألا أختلط بأحد "  تقول ذلك وهي تحدق النظر إلى عجينة الكعك  لبرهة قبل أن تواصل لفّها إلى دائرة صغيرة .

تطلقتْ فريال وهي لم تكمل العشرين من عمرها وحاصرتها الهموم باكرا ، ليس الطلاق وحده مَن قصم ظهرها إذ وجدت عند أهلها السند والرعاية ، لكن فراق أطفالها بعد أن أخذهم والدهم قد أصابها بالكآبة وجعل الدنيا قاتمة في عيونها ، مما حدا بأهلها لمحاولة تزويجها لتخفيف معاناتها .. وقد كان أحد أقاربها طوق النجاة مما تعاني .

الفقر رفيق الحِل والترحال

سافرت مع زوجها إلى مصر حيث يقيم ، و بقيت هناك أربع سنوات تعيش معه ظروف مادية صعبة ، و حين حملت عادت لكي تضع مولودها  في غزة ، غير أن ظروف زوجها حالت دون العودة إلى مصر ، فعادت فريال تسترجع أيام الفقر في غزة مرةً أخرى ،

أصبحت تبحث عن عمل تُقيت به أسرتها الجديدة  فزوجها مصاب بعاهة في قدمه تمنعه من بذل المجهود ،، و وسط كل ذلك تسكن في بيتٍ للإيجار و تنتقل من بيت إلى آخر لعدم قدرتها على دفع الأجرة .

قمة سعادتي أن أعود إلى بيتي وفي جعبتي 5 أو 10 شيكل !

تأخذ فريال قطع العجوة الصغيرة ، وتدسُّها في دوائر الكعك بإتقان ، وقد ارتسمت على ملامحها نظرات الرضا ثم أردفت : " بعد ما تعبت في البحث عن عمل ربنا أرسل لي هذه الجمعية ، نعمل وفق الطلبات التي تصلنا و رغم أن العمل ليس متواصل ، لكن قمة سعادتي أن أعود إلى بيتي وفي جعبتي 5 أو 10 شيكل " .

منذ سنوات عديدة تعرّفت فريال إلى هذه الجمعية النسائية التي توفر بعض العمل لسيدات تعاني الفقر والحاجة ، تصنع مع زميلاتها الكعك والمفتول و الأكلات الفلسطينية التراثية ، حسب ما يصل إليهن من طلبيات خاصةً في المواسم و الأعياد ، لا تكفي للإنفاق على أبنائها الأربعة و زوجها ، لكنها -حسب قولها- تقيها ذل السؤال ، وتشعر فيها بالرضا التام .

ابتلاء يصاحبه الرضا

لم تكن الحياة وردية جميلة مع فريال عيوش ، وهي البالغة 56 عاماً جُلُها كانت تعارك فيها الفقر و الظروف الصعبة ، وتعاني أمراضاً مزمنة مثل الضغط و مرض السكري  ، 

و ذات يوم .. أثناء عودتها إلى البيت أصيبت بنزيفٍ شديد ، نُقلت على إثره إلى المستشفى ، وبعد العديد من الفحوصات أخبرها الطبيب أنها مصاب بمرضٍ خطير ، يلزمه عملية استئصال عاجلة للرحم ! 

فريال التي تحملت قسوة الأيام و الفقر الشديد طوال سنوات ، تقبلت ذلك الخبر برضا تام وقبول لأقدار الله ، لكنها بكت فقط حين ذكرت أبناءها و خشيت أن تفارقهم ، وتقول عن شعورها آنذاك:  " أولادي هم إخوتي وأصحابي وكل حاجة في حياتي  ، ولا أتخيل كيف يمكن أن أفارقهم إذا لم تتم هذه العملية "

جمع لها أهل الخير بعض التبرعات التي تكفي للعملية ،  وقبل الذهاب للمستشفى ودّعت أبناءها وجيرانها و أهلها و الدموع ترافقها ،، كان يفترض أن تتم العملية بسهولة ، لكنها أصيبت بالتهابات حادة بعدها وبقيت في المشفى شهرين تعاني من آثارها ،

وإلى الآن تأخذ فريال أدويةً لعلاج آثار العملية ،، لكنها لا تستطيع المواظبة على الدواء  لعدم توفر النقود في معظم الأوقات .

تُنهي فريال رصّ الكعك في الصواني الكبيرة لكي تبدأ بعد ذلك بإدخالهم إلى الفرن ،، تصمت قليلاً ثم تقول : "أعاني من هشاشة العظام ، وحين لا أستطيع توفير أدوية العملية يزداد الألم عندي ، لكني رغم ذلك راضية حامدة لله ، الصحة والله من أعظم النعم "

قوة الإرادة و قلب الأم

ما زالت فريال تعمل بين الفينة والأخرى في هذه الجمعية ، وتسكن بيتاً مهترئاً ينقصه الكثير من الأساسيات ،، تعاني من عدم توفر الدواء في الكثير من الأوقات ، لكنها تفخر بنفسها و قدرتها على تجاوز كل الظروف الصعبة والأيام القاسية ، تملأ عيونها نظرات الراحة والسكينة ، وتشعر بتمام الرضا عن كل ما حدث معها ، و تعبر عن قوة إرادتها بقولها : " العَيَا بيكتر ويزيد مع القعدة لذلك أحاول ألا أجلس في البيت وأن أفكر بأولادي دائماً كي لا أستسلم للمرض وأظل قوية " 

تُدخل فريال صينية الكعك إلى الفرن ، و تبتسم لي قائلةً : " اللي جابرني أشتغل هم أولادي ، أنا لما بشوف ابني ناقصه حاجة بزعل ، ولما بشوفه مبسوط قلبي بيضحك " !

اخبار ذات صلة