اعتبرت وزارة الخارجية الصينية، أمس السبت، العقوبات الإضافية التي فرضتها واشنطن على عملاق التكنولوجيا الصيني "هواوي"، بمثابة "قمع مبالغ به"، مطالبة الولايات المتحدة بالكف عنه، في أحدث تطور في النزاع التجاري والدبلوماسي بين أكبر اقتصادين في العالم.
وبعد أن اتخذ التوتر بين البلدين منحى تصاعديا في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، والاتهامات غير المدعمة التي وجهتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للصين، بـ"التورط" بتفشي الفيروس بعد "تطويره" مختبريا، يبدو أن البلدين ينغمسان أكثر بالحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة أولا، ولا تزال تتحكم فيها.
وذلك ما أشار إليه الموقع المختص بأخبار التكنولوجيا "تيك كرانتش"، إذ لفت في تحليل أجراه إلى أن ثلاثة تغييرات عملاقة طرأت بين عشية وضحاها، أمس السبت على قطاع الصناعات التكنولوجية، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن تعيد تشكيل التجارة بين الولايات المتحدة والصين في المستقبل المنظور، وكان أولها تشديد العقوبات على "هواوي".
وفسر الموقع القيود الإضافية التي فرضتها الإدارة الأميركية على "هواوي"، والتي تقضي بحظر الشركة الصينية من استخدام البرامج والأجهزة الأميركية في بعض عمليات أشباه المواصلات الاستراتيجية، في خطوة لمنع الشركة من تنمية قوتها السوقية وقدراتها التكنولوجية.
وقال الموقع إن هذه الخطوة بمثابة اعتداء مباشر على الاقتصاد الصيني أثناء تعافيه من أزمة كورونا.
وأشار الموقع إلى أن الإعلان الثاني بالغ الأهمية، هو الذي قامت به شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة" ("تي إس إم سي")، بأنها تنوي الاستثمار بمصنع رئيس بقيمة 12 مليار دولار ستشيده في ولاية أريزونا الأميركية. وتُعد هذه الشركة أكبر مسبك للرقائق في العالم وأحد المسابك الوحيدة التي يمكنها التعامل مع تصنيع الرقائق الأكثر تطورا.
وأهمية هذا الإعلان من وجهة نظر "تيك كرانتش"، هو أنه يأتي بعد أسابيع من الجدل في واشنطن حول إمكانية الحد من قدرة "تي إس إم سي"، على تطوير رقائق للشركات الصينية، مثل "هواوي"، (نظرا لانتقال مصنعها الرئيس للولايات المتحدة)، وهي خطوة ستضر بشكل كبير بربحية الشركة وقدرتها على الاستثمار بالبحث والتطوير.
أما الحدث الثالث الذي لفت إليه "تيك كرانتش"، فيتمثل بإعلان شركة "فوكسكون" للصناعات الدقيقة انخفاض أرباحها بنسبة 90 بالمئة، وتراجع شحنات الهواتف الذكية. وهي شركة تايوانية أيضا، تعرضت لضربة بسبب النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة.
وهذا كله يجري بينما يبدو اتفاق "المرحلة الأولى" الذي أبرمته الدولتان في كانون الثاني/ يناير الماضي، لإنهاء الحرب التجارية، أنه يتداعى باستمرار.
الحاجة المتبادلة لم تعد مهمة
أشار "تيك كرانتش" إلى أنه برغم تشديد السياسيات التجارية وشتى أنواع القيود المتبادلة بين الدولتين، إلا أنهما حاولتا الحفاظ على التدفق التجاري بينهما قدر الإمكان، لغاية صون النمو في اقتصاداتهما. ففي نهاية المطاف، ومهما كانت الخلافات شديدة بين الطرفين، فإن كل منهما يملك شيئا يريده الآخر. إذ ترغب الصين بالبناء والنمو، بينما تريد الولايات المتحدة التصميم والشراء.
ولكن هذه الحسابات لم تعد مطروحة كما يبدو، فقد أظهرت استطلاعات الرأي خلال الأشهر القليلة الماضية، في خضم أزمة فيروس كورونا العالمية، أن المخاوف من الصين لدى المواطنين الأميركيين بلغت مستويات قياسية، وذلك بتحريض حكومي أيضا. إذ أن الضرر الهائل الذي لحق بالاقتصاد الأميركي، مع خسارة عشرات الملايين من الوظائف وتراجع النمو، يدفع البلاد إلى اتخاذ إجراءات حادة ضد كل ما تتصور أنه سيزيد هذه الأضرار.
واعتبر الموقع أن القيود الجديدة على "هواوي" ما هي إلا البداية لسياسات تجارية عدائية ستُصبح سائدة في المستقبل المنظور، مشددا على أنه من شبه المؤكد أن البلدين سيتفاوضان مجددا على الصفقة التجارية.
وأضاف الموقع: "ومع ذلك، فإن الديناميكية المثيرة للاهتمام، والتي يجب مراقبتها، ستكون في تايوان التي تعد موطنا للقطاعات ذات الأهمية الإستراتيجية في صناعة الرقائق"، إذ أشارت إلى أن إعلان "تي إس إم سي" نقل مصنعها الرئيس للولايات المتحدة، يعني أنها تتجه أبعد عن الصين التي تبادلها عداوة تقليدية قديمة.
ولطالما تجنبت الشركات التايوانية وساسة الجزيرة التنازل عن تكنولوجيتها لدول أخرى، مما خلق اعتمادا من قبل الدول الأخرى كانوا يأملون في أن يحمي الجزيرة في حالة غزو "محتمل" من الصين، إذ أن الولايات المتحدة لن تستغني عن الصناعات الاستراتيجية للجزيرة.
وتساءل الموقع عما إذا كانت إدارة ترامب جاهزة لأن تتخذ خطوات دبلوماسية إضافية نحو دعم تايوان بما سوف يزيد العداء بين الصين والولايات المتحدة.
ووسط ذلك، قال "تيك كرانتش" إن الأمر الواضح اليوم هو أن عالم أشباه الموصلات، والبنية التحتية للإنترنت، والعلاقات التقنية التي ربطت الولايات المتحدة والصين معًا لعقود من الزمن، أصبحت متهالكة وشبه غير موجودة، مشددا على أننا نشهد "حقبة جديدة في سلاسل التوريد والتجارة، وعالم مفتوح لأساليب جديدة لهذه الصناعات الضخمة".