توصل علماء إلى أن الأشخاص الذين تعافوا من فيروس كورونا المستجد "سارس كوف 2" المسبب لمرض كوفيد-19، تكوّنت لديهم خلايا مناعية قاتلة، يمكنها محاربة الفيروس عن طريق القضاء على الخلايا المريضة به.
ونشرت الدراسة في دورية "سيل" العلمية، وأجرى الباحثون مقارنة بين 10 أشخاص أصيبوا بالفيروس و11 شخصا آخرين لم تنتقل إليهم العدوى.
وجد الباحثون أن الأشخاص الذين تعافوا من فيروس كورونا لم تتكون لديهم أجسام مضادة ضد كوفيد-19 فحسب، بل تكوّنت لديهم نوعية أخرى من الخلايا تسمى الخلايا التائية "سي.دي 4″، وهي ما يطلق عليها أحيانا اسم "خلايا تي مساعدة"، التي تضطلع بدور مهم في الحصول على استجابة جيدة من الأجسام المضادة في مواجهة المرض.
كما اتضح أن أجسام المتعافين تحتوي أيضا على نوع آخر من الخلايا اسمه الخلايا التائية "سي.دي 8" أي "خلايا تي القاتلة"، ويتمثل دورها في قتل خلايا الجسم المصابة بالفيروس.
جهاز المناعة
جهاز المناعة هو نظام يحمي الجسم من التأثيرات البيئية الداخلية والخارجية الضارة كالبكتيريا والفيروسات والخلايا الخبيثة. ويتكون من أعضاء مثل نخاع العظم والعقد اللمفاوية وبعض أجزاء الطحال والقناة الهضمية والغدة الزعترية واللوزتين، بالإضافة إلى ذلك يتكون من خلايا مثل الخلايا الليمفاوية والخلايا القاعدية والحمضية والمتعادلة، والخلايا الأحادية التي يمكن أن تتمايز إلى خلايا البلعمة (تبتلع وتهضم الأجسام الغريبة عن الجسم) وخلايا قاتلة طبيعية، وبروتينات مثل الأجسام المضادة.
ويعمل جهاز المناعة عبر معادلة الخلايا الغريبة التي تدخل الجسم والقضاء عليها، مثل الفيروسات والبكتيريا والفطريات، والتعرف على السموم والمواد الضارة من البيئة التي تدخل الجسم، ومحاربة خلايا الجسم نفسه التي تغيرت نتيجة المرض، مثل الخلايا السرطانية.
ويضم جهاز المناعة العديد من الخلايا، من أبرزها:
– الخلايا البائية، وتفرز الأجسام المضادة.
– الخلايا التائية، ومنها نوع "خلايا تي مساعدة"، وهي التي يهاجمها فيروس "الإيدز".
– الأجسام المضادة التي تتعرف إلى مولدات الضد "الأنتيجين"، وترتبط بها لتسهل القضاء عليها من قبل خلايا الجهاز المناعي الأخرى.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن الباحث فلوريان كرايمر من كلية ماونت سيناي إيكان للطب في مدينة نيويورك الأميركية، الذي شارك في إعداد الدراسة العلمية، قوله إنه من المنطقي أن نفترض أن معظم الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كوفيد-19 تتراجع لديهم احتمالات الإصابة مرة أخرى، كما أنه من المستبعد أن تظهر عليهم أعراض حادة، إذا ما أصيبوا بالمرض مرة ثانية.
وأضاف أن المسألة التي لا تزال غير معروفة حتى الآن هي ما إذا كان رد الفعل المناعي قويا بما يكفي للحؤول دون التقاط عدوى ثانية أقل قوة ونقلها إلى آخرين.
ويعكف كرايمر حاليا على إجراء دراسة طويلة المدى لمتابعة الحالة الصحية لمرضى كورونا على مدار عام، لمعرفة ما إذا كان من الممكن أن يصابوا بالفيروس مرة أخرى، وكذلك عدد مرات إصابتهم بالمرض من جديد.
وأظهرت الدراسة التي نشرتها دورية "سيل"، أن قرابة نصف الأشخاص الذين لم يسبق لهم الإصابة بفيروس كوفيد-19، يحملون في أجسامهم "خلايا تي" تكونت لديهم بسبب الإصابة بفصائل أخرى من فيروسات كورونا (30% من نزلات البرد التقليدية تكون ناجمة عن فيروسات كورونا بأنواعها).
وفي حين أن بعض التقارير الصحفية الأولية ألمحت إلى أن الخلايا التائية، التي تتكون في الجسم بسبب الإصابة بنزلات البرد، قد تحمي من كوفيد-19، إلا أن كرايمر يستبعد أن تلعب هذه الخلايا دورا كبيرا. فالجميع سبق لهم الإصابة بنزلات البرد في الماضي، ولا توجد مؤشرات قوية على أن ذلك قد ساعد في تجنب الإصابة بفيروس كوفيد-19.
قرود
ونشرت دورية "ساينس" العلمية دراسة أخرى هذا الأسبوع تؤكد الأدلة الخاصة بالمناعة بعد الإصابة بالفيروس عن طريق محاولة نقل العدوى إلى قرود مرتين. فبعد أسبوع من تعافي القرود من الإصابة الأولى بالمرض عن طريق رش جزيئات من الفيروس في أنوفها، قام الباحثون بتعريض القرود "للتحدي" نفسه مرة أخرى. ولكن القرود هذه المرة قاومت الإصابة بالمرض لمرة ثانية.
وتقول الكاتبة فاي فلام في تقرير لها نشرته وكالة بلومبرغ، إن هذه النتائج بشأن المناعة ضد فيروس كورونا تعطي سببا جديدا للتفاؤل بشأن إمكانية التوصل إلى لقاح يدفع الجسم لتكوين رد فعل مناعي ضد الفيروس.
وتعتبر النتائج الخاصة بالخلايا تي ذات أهمية كبيرة في هذا السياق لأن الأجسام المضادة التي سوف تتكون بسبب اللقاح من الممكن أن تتلاشى بسرعة في حالة عدم وجود خلايا تي، لذلك فإن اللقاحات الواعدة هي تلك التي تساعد في تكوين خلايا تي وأجسام مضادة لفيروس كوفيد-19 في آن واحد، على حد قول البروفيسور ستانلي بيرلمان خبير فيروسات كورونا في جامعة أيوا الأميركية.
الخلايا التائية والإيدز وعلاج كورونا
ومن المعروف أن الخلايا التائية المساعدة هي التي يهاجمها فيروس "الإيدز"، ولذلك قد لا يكون مستغربا موافقة المعهد الاتحادي للأدوية والمنتجات الطبية في ألمانيا على إجراء تجارب سريرية لمرضى مصابين بكورونا عبر استخدام عقار "ABX464".
وحسب المعهد، فإن هذا العقار له علاقة بالأساس بعلاج نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لكنه لا يزال في طور الدراسة.
وأكد متحدث باسم المعهد في مدينة بون غربي ألمانيا الاثنين أن المعهد وافق على إجراء تجارب سريرية لمرضى بكوفيد-19 باستخدام المادة الفعالة "إي بي أكس 464".
ويذكر أن العقار المحتمل يجري تجريبه من شركة "أبيفاكس أس أي" (Abivax SA) الفرنسية للتكنولوجيا الحيوية. وحسب بيانات المعهد الألماني، فإنه تم التصريح بإجراء 22 تجربة سريرية لها علاقة بمرض كورونا أو كوفيدـ19.
وأفادت شركة أبيفاكس بأن الدراسة التي تجريها هي للعلاج المبكر لـ1034 مريضا مصابا بكورنا، معظمهم متقدمون في السن أو يعانون مخاطر عالية. في المقابل أوضح المعهد الألماني أن هناك 200 شخص سيتطوعون في ألمانيا للمشاركة في هذه الدراسة.
ومن المنتظر أن توضح الدراسة ما إذا كانت المادة الفعالة "إي بي أكس 464" بإمكانها منع استنساخ الفيروس لدى هؤلاء المرضى. وستركز الدراسة على متابعة ما إذا كانت المادة الفعالة يمكنها أن تمنع حدوث ردود الفعل المفرطة للجهاز المناعي والتي تؤدي لاحقا إلى حدوث ضيق خطير في التنفس.
من جانبه، قال كريستوف بوزيكه، من مستشفى بون الجامعي، لوكالة الأنباء الألمانية إن الدراسة تتطلب لهذا السبب مرضى حالاتهم جيدة نسبيا لأنه بخلاف ذلك لن يكون تقديم هذا الإثبات متاحا. وسيعالج كل مريض لمدة أربعة أسابيع تقريبا وسيأخذ قرصا كل يوم خلال هذه الفترة.
أكد بوزيكه أنه على الرغم من سرعة وتيرة الاختبارات حاليا لدى مرضى كورونا، فإنه من المحتمل أن يستغرق الأمر حتى العام المقبل لحين ظهور نتائج. وأوضح أن هذه المادة الفعالة لها علاقة بالأساس بعلاج مرض الإيدز، لكنها لا تزال في طور الدراسة.
المصدر : الألمانية + دويتشه فيلله + مواقع إلكترونية + وكالات