حذر خبير أمني إسرائيلي من تنفيذ مخطط الضم، وأكد أن خطوة كهذه لا تجلب أي فائدة إستراتيجية لإسرائيل، فيما انتقد محلل يميني معارضة قادة المستوطنين لمخطط الضم باعتباره جزء من "صفقة القرن" التي تشمل إقامة دولة فلسطينية، واعتبر محلل آخر أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن)، هو الوحيد الذي بإمكانه وقف تنفيذ الضم، الذي يصرح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بالبدء بإجراءات تنفيذه بحلول مطلع تموز/يوليو المقبل.
وبحسب رئيس "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، عاموس يدلين، فإنه يوجد إجماع إسرائيلي واسع على أن تكون الكتل الاستيطانية والمناطق الواقعة غربي جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيل، وأن تبقى السيطرة الأمنية في غور الأردن بأيدي إسرائيل، "ولكن كل هذا من خلال تسوية مستقبلية، وليس من خلال خطوة ضم في توقيت بائس، وإسهامه في الأمن القومي سلبي".
وخاطب يدلين نتنياهو بمفاهيمه، وأنه بتسرعه لتنفيذ ضم 30% من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل، "يخطئ مرتين: أولا، هو يمس بالكفاح الهام من أجل وقف التقدم الإيراني نحو النووي؛ وثانيا، هو يضع إسرائيل أمام مخاطر أمنية، سياسية، إستراتيجية، اقتصادية وأخلاقية".
وأشار يدلين إلى أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منشغلة في المواجهة مع الصين وموجة الاحتجاجات إثر مقتل جورج فلويد، "وتبقّى لها قدر قليل فقط من الاهتمام بالشرق الأوسط. ولذلك، ثمة أهمية بأن نركز في الحوار مع الأميركيين على البرنامج النووي الإيراني. فإيران مستمرة في تجميع مواد مخصبة، وتشغل أجهزة طرد مركزي متطورة وقصّرت المدى لعتبة النووي من سنة إلى نصف سنة".
وأضاف أن "تأييد العالم لخطوات أخرى ضروري منن أجل إيقاف إيران، وكذلك التعاون العلني والسري مع العالم العربي ضدها. إلا أن خطوة الضم تجعل المجتمع الدولي يركز على إسرائيل بدلا من إيران، وتشجع انتقادات شاملة، لتخنق خطوات تطبيع وتعاون مع العالم السني البراغماتي والمعادي لإيران وتشكل خطرا على اتفاقيات السلام" مع مصر والأردن.
وتابع يدلين أن "ضما أحادي الجانب تصريحي لا يجلب أي فائدة إستراتيجية لإسرائيل، وإنما مخاطر وخسائر فقط. فقد نجحت إسرائيل بإقناع صديقاتها في العالم أن سيطرتها على يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هي نتيجة رفض فلسطيني لمقترحاتها للسلام، ومستوجب بسبب اعتبارات أمنية، لكن الضم سيضعها في مكانة رافضة السلام".
ووفقا ليدلين، فإنه "لا يوجد مبرر أمني (للضم): الجيش الإسرائيلي يسيطر بالمطلق في غور الأردن، والتعاون بينه وبين الجيش الأردني وثيق للغاية ومثير للإعجاب. وخطوة الضم ليس فقط أنها لن تحسن الوضع الأمني، وإنما ستسيء له، لأنها ستمس بالأردن، وباتفاقية السلام معه وبالتعاون العسكري والأمني معه، وستتبعها باحتمال ليس ضئيلا مواجهات وإرهاب في يهودا والسامرة، واشتعال الوضع في غزة وصرف انتباه الجيش الإسرائيلي من الاستعداد لتهديدات الجبهة الشمالية وإيران إلى أنشطة عسكرية متزايدة في يهودا والسامرة".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة برئاسة ترامب وحدها فقط ستعترف بالضم وحدوده، "ولدولة تخوض صراعا من أجل تجنيد العالم للصراع ضد النووي الإيراني ومنظومة الصواريخ الدقيقة الذي تجري إقامتها في لبنان، لا يوجد أي منطق بأن تجعل أوروبا وروسيا والصين تركز على الضم". كما ستتضرر العلاقات التجارية الإسرائيلية – الأوروبية والتعاون بين الجانبين، إضافة إلى أن "خريطة ’صفقة القرن’ تجعل حدود إسرائيل طويلة للغاية، بين 1600 – 1800 كيلومتر، وتكلفة تسييجه 60 مليار شيكل على الأقل".
وأضاف يدلين أنه "من الناحية الأخلاقية، فإنن مكافحة إيران تضع إسرائيل في مكانة أخلاقية قوية، بينما في الموضوع الفلسطيني، يرى العالم بحل الدولتين أنه الحل العادل والأخلاقي، وضم قسم كبير من الضفة الغربية سيضع إسرائيل في مكانة الدولة المارقة. كما أن الضم هو خطوة معادية للصهيونية وستمنع إمكانية مستقبلية للانفصال عن الفلسطينيينن والحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية، ديمقراطية، آمنة وأخلاقية".
"فرصة لن تتكرر"
انتقد المحلل السياسي في صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية، حاييم شاين، قادة المستوطنين، وكتب أنه "منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، تبلورت مسيانية كاذبة في أوساط اليمين. وهؤلاء أشخاص جيدون، أخلاقيون ومثاليون، وهم مقتنعونن بأنهم يعرفون الخطة الإلهية بتفاصيلها، وراحوا يتحدثون ويعملون باسمه. وانضمت إليهم مجمعة صغيرة لكنها تثير ضجيجا، وكانت قد أسقطت حكم اليمين في الماضي. وهذه المجموعة مقتنعة بأن بإمكان إسرائيل تنفيذ كل ما تشاء من دون الحاجة إلى أخذ أمم العالم بالحسبان. وهي أمم إنما تعرقل وحسب تطبيق حلهم. والأخطر الأكبر للوجود اليهودي هو تجاهل قراءة الواقع. وقد دفع شعبنا، في القرن الماضي، ثمنا رهيبا من جراء تجاهل الواقع".
وأضاف شاين أن "اليمين يؤمن إيمانا مطلقا بأنه يوجد لليهود فقط حقوق كاملة بوطن تاريخي، تجول آباؤهم فيه آلاف السنين قبل اختراع أمة فلسطينية. لكن في الوقت نفسه، معظم الجمهور اليميني مقتنع بأن إنقاظ إسرائيل هو كانبثاق الفجر رويدا رويدا. ومن يحاول تسريع خطوات التاريخ، سيكتشف أن التاريخ عنيد بشكل مذهل. والقيادة السياسية هي القدرة على العمل في حدود الممكن، واستغلال الفرص والنظر دائما إلى الواقع. وإسرائيل لا تسيطر على العالم، ولا يمكن تجاهل قوى كبيرة ينبغي التعامل معها وضدها. والسياسة ليس لعبة شيش بيش، والرب لا يلعب بحجارة الزهر، وقد علمنا أنه لا يوجد لليهود قدرة على تحسين التاريخ. وعلينا أن نكون أذكياء وندرس الأمور".
وتابع شاين أن "خطة ترامب تفتح الباب لفرض القانون الإسرائيلي على مناطق في يهودا والسامرة. وهي ليست مثالية. والولايات المتحدة، أكبر صديق لنا بقيادة ترامب، مضطرة لأن تأخذ بالحسبان اعتبارات واسعة متنوعة. وهي أيضا ليست لوحدها في العالم. ولا شك لدي بأن ممثلي اليمين في الحكومة يعرفون كيف يشخصون نقاط الضوء في الخطة، وكذلك التحديات المعقدة التي تضعها. ويهودا والسامرة ليسا هضبة الجولان ولا القدس الشرقية أيضا، اللتين جرى ضمهما بشكل أحادي الجانب في حينه".
وادعى شاين أنه "يجب دفع الخطة قدما، والبدء بخطوة وعندما يحين الوقت تتم مواجهة العقبة السياسية الفلسطينية. فقد هاجم قادة اليمين (مؤسس إسرائيل دافيد) بن غوريون عندما وافق على قرار التقسيم. ولمصلحة حلم أرض إسرائيل الكاملة، يجدر أن يصحو اليمين الخلاصي أيضا من أوهام وتخيلات كاذبة، فهذه فرصة لمرة واحدة وربما لن تتكرر".
"عباس يفضل الضم"
حمّل رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بِن، بشكل غير مبرر ومخالف للواقع والتاريخ، الفلسطينيين مسؤولية تنفيذ مخطط الضم. وزعم أنه "يوجد شخص واحد بإمكانه وقف ضم المستوطنات ومناطق واسعة في الضفة الغربية، المخطط تنفيذه في 1 تموز/يوليو، وهو محمود عباس. والجهد المطلوب من الرئيس الفلسطيني ليس كبيرا: عليه الاتصال، إرسال واتساب أو رسالة إلكترونية إلى البيت الأبيض، وطلب لقاء مع الرئيس، دونالد ترامب، يعلن من خلاله عن استعداده لاستئناف محادثات السلام مع إسرائيل على أساس ’صفقة القرن’".
وأردف بن، بغباء أو اعتقاد منه ومن "اليسار" الذي يمثله ويعتبر نفسه وصيا على الفلسطينيين، "على الأرجح أنه بعد إعلان كهذا سيطلب ترامب من بنيامين نتنياهو أن يجمد الضم والدخول في مفاوضات حول تسوية دائمة مفصلة، تقام في نهايتها دولة فلسطينية".
وتابع أن "عباس يكتفي بالتنديدات العادية بإسرائيل والولايات المتحدة، وبالتهديدات الجوفاء الدائمة بشأن ’وقف التنسيق الأمني’ في الضفة. وهو لا يظهر أي إشارة أو تلميح أو استعداد للعودة إلى مفاوضات مقابل لجم الضم. ويرسم موظفون إسرائيليون وأميركيون خريطة المنطقة التي سيتم ضمها من الضفة إلى إسرائيل من دون إشراك أي فلسطيني في المداولات، وعباس ليس مهتما. وسيعلم بالخريطة بعد التوقيع عليها ونشرها فقط، بدلا من أن يطلب أخذ موقفه بالحسبان مسبقا".
واعتبر بن أن "اليسار" الإسرائيلي سيرى بموافقة عباس على مناقشة "صفقة القرن" أو في حال التقى لهذه الغاية مع ترامب أو نتنياهو، ستكون إذلالا للفلسطينيين. ورد على ذلك: "وما هو وضع الفلسطينيين الآن، فيما المجتمع الدولي منشغل بكورونا، أزمة اقتصادية ومواجهة بين أميركا والصين؟ لقد نسوهم تحت الاحتلال الإسرائيلي ومضوا".
وادعى بن أيضا أن "قيادة منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات رفضت للأسباب نفسها كافة مقترحات السلام السابقة، بتشجيع من ناشطي يسار إسرائيليين، الذين يحلمون باستبدال الصهيونية بدولة واحدة متساوية بين النهر والبحر. لكن توازن القوى في هذه المنطقة لا تدفع هذا الحلم إلى الأمام، وإنما تميل بوضوح لمصلحة إسرائيل، مثلما يدل على ذلك انكماش المنطقة والصلاحيات السيادية التي اقترحتها خطط السلام الأميركية على الفلسطينيين في العشرين عاما الأخيرة. هل سيستمر الفلسطينيون في الإصرار حتى يتبخر القليل مما حصلوا عليه من المجتمع الدولي؟".
ورغم أن بن أشار إلى أنه "لا شك أن الفجوات بين المواقف كبيرة للغاية، وإصرار المجتمع الدولي على إملاء تسوية ضعيف للغاية، والثقة بين الجانبين تراوح الصفر"، لكنه اعتبر أنه "في هذه الظروف الصعبة أيضا توجد قيمة في عملية سياسية، التي ستبين على الأقل الفروق بين الليكود وكاحول لافان ويستأنف النقاش الداخلي في إسرائيل حول مستقبل المناطق والاحتلال. وبغياب مفاوضات مع الفلسطينيين، يجري السجال الداخلي في إسرائيل داخل اليمين فقط، وفي الحيز بين رئيس الحكومة ومجلس المستوطنات، حول ما إذا كان البناء في المستوطنات المعزولة سيكون إلى أعلى فقط أو بتوسيعها".
واتهم بن عباس بتهم لم يجرؤ اليمين على توجيهها له. وادعى أن "كل هذا لا يهم عباس. وعلى ما يبدو أنه يفضل أن ينفذ نتنياهو الضم، والأمر الأساسي أن يعفي نفسه من لقاء غير لطيف معه أو مع ترامب. وربما هو مخطئ بسبب أوهام، بأن الضم سيمس بإسرائيل، وأن الأردن سيلغي اتفاقية السلام، وأن العالم العربي سيتحد من أجل الفلسطينيين مرة أخرى، وأن جو بايدن سيلغي وعود ترامب، وأن غانتس سيحل مكان نتنياهو. وربما أنه تعب وحسب. ورغم ذلك، لديه 26 يوما حتى يندم ويسحب يد إيقاف قطار الضم".