قد يخطر في بال أي منا سؤال يوجهه لوالد الأسير الذي يرابط في كل فعالية من فعاليات أهالي الأسرى، لماذا يفعل ذلك، وما الذي سيجنيه في ظل سياسة الاحتلال وسياسة مفاوضيه؟
لكن والد الأسير ووالدة الأسير اللذين يرابطان هناك يعرفان المعادلة جيدا.. يفعلان ذلك لأجل صورة يمكن أن يلتقطها أحد الصحافيين أو كلمة في مقابلة تلفزيونية فيلمحها ابن أسير تغلبه أشواق لرؤياهم.
لأجل ذلك كان يرابط والد الأسير بسام اكتيع، كل اثنين أمام مقر الصليب الأحمر حاملا صورة ابنه، حتى اُعتبر أحد الأيقونات في أروقة الصليب الأحمر، لا يغادر مقعده المعروف من كل أسبوع، لا يكل ولا يمل، يعيش لأجل أمل في صدره وذكرى خالدة أمام عينيه، ورفيقه عكازه الذي يتسند عليه.
يفعل الحاج شفيق اكتيع ذلك دون كلل منذ عرف الصليب الأحمر طريقه الى غزة، هو أب للأسير بسام اكتيع المعتقل في سجن دامون منذ 11 عاما.
بالأمس كان مقعد والد الأسير فارغا، توفي، كما توفيت زوجته قبل ثلاث سنوات، وبقي بسام خلف زنزانته يداري دمعة وحدته التي سقطت دون أن يكفكفها أحد.
هنا لا يبدو الموت عاديا، فوالد الأسير مات بقهر يسكن صدره، وحلم باحتضان ابنه ولو لمرة واحدة، وفي انتظار طالت أعوامه لصفقة تبادل تشفي غليل السنوات الماضية.
ولكن الصفقة لم تحدث، ولم يعطها الحاج أبو بسام فرصة الانتظار، ورحل إلى جانب زوجته بشوق للقاء أو زيارة أو وعد واهما بأن بسام سيخرج يوما إلى نور أحضان والديه.
الأسير اكتيع يقضي حُكمًا بالمؤبد مدى الحياة وعشر سنوات، أي ما يعادل 109 سنوات، أمضى منها (11 عامًا)، حيث قال والده في احدى مرات اعتصامه أمام الصليب الأحمر بأن بسام اعتقل اثناء قيامه بتأدية عمله في المقاطعة برام الله.
وكان الأسير يعمل شرطيا ضمن أجهزة السلطة الفلسطينية حينما اعتقل في يوليو عام 2006، ووجهت له تهمة خطف وقتل مستوطن، ولم ير ولده منذ ذلك اليوم، بل إن الاحتلال لم يسمح لأي من أخوته بالزيارة، ووافق فقط على زيارة والده.
الثمانيني أبو باسم، أو أبو بسام كما كان يحلو له أن ينادى، له من البنين خمسة والبنات ثلاثة ويقطن في حي التفاح شرق مدينة غزة، رحل وهو لا يملك في قلبه سوى حلم واحد، احتضان بسام للحظة واحدة، ولكن حلمه لم يتحقق كما حلم زوجته التي سبقته بالرحيل.
وعلى الضفة الأخرى ما زال أبناء الأسير مقيمين في رام الله مع والدتهم بعد اعتقال والدهم، فبسام له ثلاثة أولاد وابنتين ومتواجدين في رام الله، أكبرهم يبلغ 23 عاماً، وأصغرهم 14 عاماً، ولم يشاركوا في جنازة جدهم ولم يزوروه منذ اعتقال والدهم لأن الاحتلال يمنعهم من دخول غزة.
وفي الجانب الآخر في سجن دامون، يقف الأسير بسام وحيدا على شرفة زنزانة ضيقة يتألم لقادم الأيام فلم يكن يسمح لأحد بزيارته من أشقائه سوى والده وأمه وها هو الموت يغيب أعز زواره.