خلص "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، في تلخيص نشره أمس، الأربعاء، لمؤتمر عقده في وقت سابق من الأسبوع الحالي، إلى أن المخطط الإسرائيلي لضم مناطق واسعة في الضفة الغربية، سيؤدي إلى لجم "خطوات متعددة الفوائد" بالنسبة لإسرائيل، تتمثل بمواجهة إيران ونسج "علاقات إستراتيجية" بين إسرائيل ودول عربية "براغماتية" وبناء جبهة واسعة ضد إيران.
ووصف المعهد في تلخيصه "فرض السيادة" بأنها "صياغة ليّنة لضم إسرائيلي أحادي الجانب لمناطق" في الضفة الغربية، وهذه "خطوة غايتها خلط الأوراق وتغيير قواعد اللعبة في الحلبة الإسرائيلية – الفلسطينية... وإذا لم تصمد السلطة الفلسطينية تبعات الضم، وبينها غليان شعبي واسع، فإن هذه الخطوة قد تؤدي إلى إنهاء دورها وحلّها".
وحذر المعهد من أن نتائج ذلك ستكون بأن "تجد إسرائيل نفسها مسؤولة عن 2.7 مليون فلسطيني الذين يسكنون في المناطق (المحتلة). وسيؤثر هذا التطور الإشكالي على طبيعة دولة إسرائيل الديمقراطية والديمغرافية، وتعني تسريع التوجه إلى واقع الدولة الواحدة".
وأشار المعهد إلى أنه من الناحية القانونية، لا فرق بين "فرض السيادة" و"الضم"، إلا أن مصطلح "فرض السيادة" له صبغة سياسية ودلالة شرعية، "وليس صبغة سلبية بمعنى السيطرة". والقوانين الإسرائيلية لا تسري على الضفة الغربية كونها منطقة محتلة، لكن قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، بصفته "القائد العسكري" في الضفة، يحول هذه القوانين إلى أوامر عسكرية كي تسري على المستوطنات. ويعني "فرض السيادة" أن تسري القوانين على المنطقة التي يتم ضمها، "والسلطات الإسرائيلية تتحول إلى الجهة صاحبة الصلاحيات في المنطقة".
وأردف المعهد أنه "لذلك، سيسهل الضم مصادرة منطقة فلسطينية لمصلحة (إقامة) مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة. ولن يكون الفلسطينيين في المنطقة التي تم ضمها خاضعين للسلطة الفلسطينية وإنما للقانون الإسرائيلي، كسكان في دولة إسرائيل، وسيكون بإمكانهم طلب المواطنة". وبحسب "قانون أساس: الاستفتاء الشعبي"، فإنه في حال أرادت حكومة إسرائيلية مقبلة الانسحاب من المنطقة التي تم ضمها، ينبغي أن يؤيد ذلك 80 عضو كنيست أو استفتاء شعبي، ما يعني أن "الضم يكبل أيدي الحكومات القادمة".
ومن ناحية القانون الدولي، فإنه لن يتم الاعتراف بالمنطقة التي تضمها إسرائيل بأنها تقع تحت "سيادتها". كما أكد المعهد أن "الجهات الدولية ستستمر بالنظر إليها كمنطقة محتلة، ويوجد للفلسطينيين حقوق فيها، وخاصة لكي يطبقوا فيها حقهم بتقرير المصير بإقامة دولة. وستبقى إسرائيل مطالبة كدولة احتلال بتنفيذ التزاماتها تجاه الفلسطينيين. وتتزايد هذه الواجبات كلما تراجع أداء السلطة الفلسطينية. وعمليا، لن تسري الاتفاقيات بين إسرائيل والدول التي لن تعترف بالضم على المنطقة التي يتم ضمها، وسيتعين على إسرائيل الحسم بين التمييز بين أراضيها ضمن حدود 67 وبين المنطقة التي تم ضمها في الضفة الغربية، أو المخاطرة بإلغاء تلك الاتفاقيات".
وأضاف المعهد أن "القرار بشأن الضم سيوصف على أنه انتهاك خطير آخر من جانب إسرائيل للقانون الدولي الذي يسري على الدولة. وتغيير الحكم في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى قرار مندد في مجلس الأمن الدولي (أي ألا تستخدم الولايات المتحدة الفيتو). بل أن الضم سيشكل موضوعا آخر ستنظر به محكمة الجنايات الدولية في إطار تحقيق متوقع" ضد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1967.
موقف الفلسطينيين والأردن ومصر
أشار المعهد إلى معارضة الفلسطينيين لمخطط الضم، وأن السلطة الفلسطينية في الضفة وحماس في قطاع غزة تعملان من أجل منع إسرائيل من تنفيذه. لكنه أضاف أن "حيز العمل لديهما ضئيل ويوجد اختلاف واضح بين شدة التصريحات وتأثير الأدوات التي بحوزتهما. ورغم أن جميع الفصائل في الساحة الفلسطينية يرى أن الوقت حان للمصالحة، لكن من الناحية الفعلية ليس بالإمكان الجسر بين المواقف... وإلغاء اتفاقيات أوسلو هي خطوة ستكون لها تبعات خطيرة على السلطة ولذلك هي تتخبط حيال الهدف من خطوة في هذا الاتجاه".
وحسب المعهد، فإن السلطة الفلسطينية لن تكسر قواعد اللعبة، "لأن قيادة السلطة ما زالت ترى وجود أفضليات بالتنسيق المدني والأمني مع إسرائيل. وحتى الأول من تموز/يوليو المقبل، الموعد المفترض لتنفيذ الضم، ستركز السلطة على مجهود لممارسة ضغوط على إسرائيل بواسطة تهديدات ومحاولة تجنيد معارضة دولية وإقليمية للضم. وستعمل السلطة لاحقا، بين تموز/يوليو وتشرين الثاني/نوفمبر، على أمل أن يفوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، برئاسة الولايات المتحدة ويعيد العجلة إلى الوراء".
وتوقع المعهد أنه في حال فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية ويؤيد أي قرار إسرائيل يتعلق بالضم، فإنه "يتوقع أن تواجه الحلبة الفلسطينية عصرا جديدا، وقد تنهي السلطة دورها الرسمي فيما الشارع سيقود الأحداث. كما أن رحيل (الرئيس الفلسطيني محمود) عباس عن الحلبة سيؤدي إلى اشتداد الصراع على خلافته في صفوف القيادة الفلسطينية. ويتوقع أنه في وضع كهذا ستكون السلطة في حالة فوضى".
كذلك توقع المعهد أن "تضع حماس تحديا أمام إسرائيل والسلطة في الضفة الغربية بواسطة عمليات إرهابية من أجل ترسيخ مكانتها في الحلبة الفلسطينية كلها، من دون تشكيل خطر على حكمها. ولذلك ستمتنع بكل ما بوسعها عن مواجهة عسكرية واسعة النطاق مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه ستضطر حماس إلى مواجهة منظمات الرفض، التي لن تأخذ مصالحها بالحسبان وستحاول دهورة الوضع الأمني في جبهة غزة أيضا".
وتابع المعهد أنه "بالنسبة للأردن، للمسألة الفلسطينية أهمية وجودية، لأن نصف سكانه من أصل فلسطيني. وقد عبر الأردن منذ البداية عن معارضة شديدة للضم، من دون فرق بين أنواع وحجم الضم، ويتوقع أن تقابل أي خطوة إسرائيلية في هذا الاتجاه بمعارضة شديد من جانبه. ويتوقع انتقال غليان في الضفة الغربية إلى السكان الفلسطينيين في الأردن". وشدد المعهد على أن الإغراء الاقتصادي للأردن في "صفقة القرن"، المتمثل بمساعدات بـ7.4 مليار دولار، "لا يشكل محفزا للموافقة على الخطة".
واعتبر المعهد أن "مصر أقل هشاشة من الأردن إزاء تبعات الضم... وتمارس ضغوطا على إسرائيل والولايات المتحدة من أجل التراجع عن هذه الخطوة، وتحث الفلسطينيين في الوقت نفسه كي يطرحوا بديلا لخطة ترامب. وإذا أيدت إدارة ترامب الضم، فإنه عدا تصريحات ضد هذه الخطوة، ستمتنع مصر عن خطوات حازمة بسبب تعلقها بالمساعدات المالية الأميركية والدعم السياسي في قضية سد النهضة. ولذلك ستختار مصر رد فعل منضبط".
تبعات الضم
أشار المعهد إلى تبعات سلبية للضم، وهي:
أولا: تصعيد أمني ووقف التعاون بين قوات الأمن الإسرائيلية وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، "التي تحبط الإرهاب وتمنع الاحتكاك وتفرق المظاهرات وتشارك (أجهزة الأمن الإسرائيلية) بمعلومات استخبارية بالغة الأهمية، الأمر الذي سيضع مصاعب أمام إسرائيل لإحباط الإرهاب والعنف".
ثانيا: إعلان السلطة أنها دولة في حدود 67. "وقد تعترف جهات كثيرة في المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه سترى بإسرائيل كمحتلة للدولة الفلسطينية أو أجزاء منها، إلى جانب واجب المحتل تجاه السكان الفلسطينيين. وعلى الأرجح ألا تعترف إسرائيل بالسلطة كدولة، لكن هذا الأمر سيضع مصاعب أمام التعاون، لأن أي نوع من التنسيق أو التعاون سيفسر كاعتراف بمكانتها كدولة".
ثالثا: "قد يدفع الضم حركة فتح نحو حماس، وحتى أنه ربما يحفزها على العودة لتبني منظور المقاومة، والمطالبة بالسيادة على فلسطين كلها. وإلى جانب ذلك، ستسعى حماس إلى تقويض الاستقرار في الضفة، فيما ستواجه صعوبة بلجم منظمات الرفض في قطاع غزة. ولذلك ستتزايد مخاطر التدهور الأمني في الضفة والقطاع في الوقت نفسه".
رابعا: "تزايد احتمال انهيار السلطة الفلسطينية، أو ’إعادة المفاتيح’ لإسرائيل. وفي هذه الحالة ستضطر إسرائيل إلى تحمل مسؤولية السكان الفلسطينيين، أي 2.7 مليون فلسطيني، في الضفة".
خامسا: "إلغاء أفضليات اتفاقية السلام مع الأردن، وأبرزها التعاون الأمني الناجح على مر السنين، كما سيتم محو العمق الدفاعي الإستراتيجي الشرقي لإسرائيل، الي يعتبر اليوم أنه الحدود الأردنية – العراقية".
سادسا: "نقل المجهود الأمني الإسرائيلي الأساسي من لجم تموضع إيران في الجبهة الشمالية إلى الجبهة الفلسطينية. واليوم، يسمح الاستقرار والهدوء النسبي في الحلبة الفلسطينية للجيش الإسرائيلي بالتركيز على إحباط التهديد الإيراني على إسرائيل".
سابعا: "تضرر التعاون بين إسرائيل ودول، لا توجد علاقات رسمية معها، استنادا إلى مصالح مشتركة ضد اتساع التأثير الإيراني السلبي في الشرق الأوسط. وسيقوض الضم مكانة إسرائيل الإقليمية مقابل الدول العربية السنية البراغماتية: وحتى لو أقامت علاقات سرية نتيجة لضغوط أميركية، فإنها لن تتطور في المستقبل المنظور".
ثامنا: "ضم واسع يعني انسداد إمكانية دفع تسوية سياسية – إقليمية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية".
عرب48