عنجهية القوة تلك التي تجعل قادة الاحتلال يتجهون نحو تنفيذ مخطط ضم الضفة الغربية والأغوار دون أن يلتفتوا لكل التحذيرات من مخاطر فرض السيادة العقيمة على %30 من الضفة.
ويلحظ المتابع للصحافة العبرية حجم التحذيرات التي يطلقها الكتاب والصحفيين الصهاينة والذين يرى الغالبية منهم أن قادتهم يتجهون للضم لتحقيق مصالح شخصية وحزبية بعيداً عن الاعتبارات المتعلقة بمصلحة الكيان على المدى البعيد.
والمخاطر التي يتحدث عنها الكتاب والمحللون تتجاوز الوضع الأمني في الضفة على خطورته، فإلى جانب المخاوف من انتفاضة ثالثة وتوقعات بموجة عمليات فردية، هناك التخوفات التي تتعلق بالجانب السياسي وتأثير المخطط على العلاقة مع الأردن وباقي الدول العربية.
إيهود يعاري، الخبير )الإسرائيلي( في الشؤون العربية قال إن"نتنياهو سيقدم على خطوة الضم التي لن تغير من حقيقة الواقع، فهو يدرك أنه يقف على أرضية قوية، وهو يدرك أنه هو نفسه، وبكلتا يديه، قد يضحي بكل ما حققه في العقد الماضي من إنجازات مهمة في بناء الجسور مع الدول العربية والإسلامية.
ويتابع: أما على صعيد القانون الدولي، فسوف يصبح الإسرائيليون مصابين بالجذام، وأمام العديد من أصدقائنا في العالم سنكون كذابين مخادعين، وتبدو (إسرائيل) دولة ضعيفة، مما سيؤكد لرئيس الوزراء في النهاية أن الضم ليس هدفاً جيداً أبدا".
كما حذر الكاتب الإسرائيلي حاييم مسغاف، بمقال في صحيفة "معاريف"، ترجمته "عربي21"، من أن "الخطة التي يقودها بنيامين نتنياهو لضم أجزاء من الضفة الغربية، والغور، يمكن وصفها بأنها سيادة عقيمة".
ورأى أن "تنفيذ خطة الضم سيضر (بإسرائيل) على المدى الطويل، وسيجعلها دولة أسيرة بين فلسطينيي الضفة وغزة.
وأضاف أن "الخريطة المرسومة بالتنسيق مع الأمريكيين سيتبناها العالم لاحقا، وقد يتحول تنفيذها كرة ثلجية ستسحبنا جميعا لأسفل الجبل، مع أنها تحدد حدود الدولة غرب الأردن، وتقرر موافقتنا على إنشائها، فيما تترك العديد من التجمعات السكانية في الدولة الفلسطينية المستقبلية، وكذلك العديد من الطرق الرئيسية، ومناطق التحكم في الأراضي الساحلية المنخفضة".
وفنّد وزير (إسرائيلي) سابق المبررات التي يسوقها معسكر اليمين بخصوص الشروع بتنفيذ خطة الضم في الضفة الغربية، والقائمة على ضرورة استغلال ما يسمونها "الفرصة السانحة"، في إشارة إلى دعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للخطط الاستيطانية.
ومن ذات المنطلق رأى الوزير السابق يوسي بيلين، في مقال نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، إن "ادعاء معسكر اليمين (الإسرائيلي) بأن الفرصة سانحة اليوم لفرض خطة الضم بالضفة ليست سببا كافيا للشروع بتنفيذها"، متسائلا: "لماذا لم تناقش خطة ضم غور الأردن في كل سنوات حكم الليكود، في عهد مناحيم بيغن وإسحاق شامير وأرئيل شارون وبنيامين نتنياهو؟".
وأوضح بيلين، الذي شغل وزير القضاء ونائب وزير الخارجية، وأحد رواد مسيرة أوسلو مع الفلسطينيين، أنه "في الجدل الكبير حول احتلال الضفة الغربية عام 1948، قررت (إسرائيل) تجنب ذلك، رغم أنه كان ممكنا من ناحية عسكرية".
وأكد أن "الإجماع الصهيوني اشترط آنذاك إقامة دولة يهودية بأغلبية يهودية مستقرة، وبما أن كل فرصة عسكرية لا نستغلها طوال سنوات وجودنا، فإن دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليس سببا كافيا للضم"، وفق قوله.
وأوضح أن "مؤيدي خطة فرض السيادة على الضفة الغربية وغور الأردن يزعمون أنه سيمنع الفلسطينيين من التسرب (لإسرائيل)، لكنهم يتجاهلون أنه يتطلب منا وضع سياج حول الجيوب الفلسطينية التي لا تزال داخل الأراضي الملحقة بـ(إسرائيل)، بما في ذلك مدينة أريحا، وهذا عدد كبير من الفلسطينيين الذين إن لم يحصلوا على جنسية (إسرائيلية)، فسيصبحون من سكان "بانتوستان" في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا"، بحسب تعبيره.
في الوقت ذاتهأظهر الكتاب الإسرائيليون حرصا أكبر من قادتهم، ليس خوفاً على المصالح الفلسطينية او رفضا لفكرة الضم ولكن لإدراكهم أن الضم سيكون له تداعيات خطيرة لا يلتفت لها السياسيون الذين أعمتهم مصالحهم الخاصة.
الجنرال يعكوبعميدرور، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، والمقرب من بنيامين نتنياهو، قال أنه من الناحية المهنية لا يوجد سبب لتنفيذ خطة الضم بأجزاء واسعة من الضفة الغربية وغور الأردن، فالمسألة سياسية حزبية بالدرجة الأولى.
وأكد عميدرور، الرئيس الأسبق لشعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، أنه "عند قراءة الآثار المترتبة على خطة الضم، تظهر لنا 3 مشاكل: كيف سترد الدول العربية، وماذا سيحدث في العلاقة مع الفلسطينيين، وما استعدادات الجيش الإسرائيلي لوضع مختلف من حيث مسؤوليته، هذه أسئلة مهنية تحتاج للاستعداد، وتقليل الضغط المترتب عليها، وربما يمكن إضافة الضغط الأوروبي على إسرائيل ضمن المشاكل".
وأوضح أن "بعض المستوطنين يعتقدون أن الضم بهذا الشكل ليس جيدًا لهم، لأن العبء المتوقع عليهم سيكون كبير جدًا، مما يدفعهم للقول إننابحاجة إلى ضم دون دفع الأثمان، وأخطرها إمكانية قيام دولة فلسطينية، فالضم بهذه الطريقة سيكون اعترافا بدولة فلسطينية، ومن الخطأ أن ندفع هذا الثمن، كما أن الضم بصيغته الحالية لا يجعل حياة الجيش الإسرائيلي أسهل في النهاية، ولا حياة المستوطنين".
الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربيةجاكي خوجي، اعتبر أن مخطط الضم سينقل النقاش من فكرة الدولتين إلى خيار الدولة الواحدة، والتي يرى أنها تشكل خطرا كبيرا على هوية دولة الكيان.
التحذيرات لم تتوقف عند حدود الضفة الغربية التي يهددها المخطط فقد حذر جنرال إسرائيلي أن مخطط الضم لن تكون تداعياته بعيدة عن قطاع غزة وقد يفتح مواجهة مع حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة رداً على ضم الضفة، فقد ترى الفصائل نفسها مجبرة على الرد.