"إن أصعب أنواع الغربة هو أن تكون غريبا في نفس الوطن" هذه الجملة التي كتبها الطبيب محمود فريد التوم على صفحته اليوم وهو في طريقه متوجها الى الخليل التي تفوقت في عدد إصابات الكورونا عن غيرها من المدن الفلسطينية حيث وصلت الأعداد هناك لأكثر من 200 إصابة.
محمود ليس طبيبا عاديا، بل هو استثناء، لأنه بعيد عن عائلته وأهله، بل وعن عروسه منذ بداية أزمة كورونا في الضفة الغربية.
لم تكن هذه مجرد محنة، كان امتحانا صعبا، فوقوف الأطباء في مواجهته أشبه بجندي دخل الى ساحة المعركة بدون أسلحة!! فهو أمام امتحان صعب، إما الدخول أو الهروب من المعركة. وهو ما لم يختره الطبيب الشاب محمود التوم، العريس الذي لم يكن مع بداية أزمة كورونا قد مر على زواجه أكثر من شهرين.
لم يكن القرار صعبا، ولم يحتمل أي لحظة تردد، هناك أزمة دخلتها الضفة الغربية مع اكتشاف أول حالة لفايروس كورونا، وتحديدا في القدس، التي سرعان ما تفشى بها الوباء متحولا الى كارثة حقيقية، لم يكن هناك دور سوى للأيدي البيضاء، أطباء الوطن، أولئك الذين حملوا على عاتقهم وحدهم جل المهمة، تتجه الأنظار نحوهم.
توجه محمود التوم إلى نقابة الأطباء الفلسطينيين ووزارة الصحة الفلسطينية مبديا رغبته بالسفر الى الضفة متطوعا للمساعدة في مواجهة الأزمة القادمة، وسرعان ما وصلته دعوة للقدوم فورا الى الضفة.
ويوضح التوم أن أول يوم وصل فيه الضفة الغربية، توجه إلى مقر وزارة الصحة برام الله قائلا لهم: "جئت من غزة لأقدم خدماتي فنقل إلى أكثر القرى حاجة إلى دعم باعتبارها مناطق موبوءة في قرى مدينة القدس، فبدأ العمل في مستشفى بيت نبالا في القدس.
والطبيب الفلسطيني الذي نال شهادته من أوكرانيا قبل سنوات طويلة هو عضو في نقابة الأطباء الفلسطينيين وقد حصل على المركز الأول في تخصص أمراض الباطنة والوبائيات، على مستوى جمهورية أوكرانيا، ورغم عروض العمل التي قدمت له هناك إلا أنه فضل العودة الى وطنه لخدمة أهله.
والجدير بالذكر أن الدكتور محمود التوم رفض العديد من الوظائف في جمهورية أوكرانيا ليعود بعلمه ويخدم أبناء الشعب الفلسطيني.
وفي مقابلة معه أخبرنا بأنه عاش تجربة فريدة من نوعها، مؤلمة في بعض المواقف، سعيدة متوجة بالنصر في مواقف أخرى وهي مواقف الشفاء التام من المرض، الذي يعتبر عمله في مواجهته مقاومة وطنية من نوع آخر.
حيث يقول الطبيب الشاب: حينما أكلم زوجتي التي تركتها بعد شهرين من الزواج عروسا وحيدة في أجمل لحظات عمرنا أحاول أن أهون عليها وهي تعبر عن شوقها وخوفها لبعدي عنها وعملي في الخليل أكثر المناطق الفلسطينية من حيث عدد الحالات.
وتابع: أحاول دوما أن أذكرها بفخرها بي، وبأن تلك الرسالة التي خلقنا نحن الأطباء لأجلها هي رسالة سامية، وقد أصبحنا ببساطة لا نمتلك أقدارنا بل هي مهنتنا التي تتحكم بوجهتنا وحاجة الناس الينا أيضا.
وقد أخبرنا التوم عن أصعب المواقف التي مر بها خلال تجربته في التعامل مع أصحاب المرض قائلا: قد يكون مشهد أخذ طفل من والديه لأنه الوحيد في العائلة المصاب بالمرض هو من أكثر المشاهد ألما، فالطفل يكون في حالة من الهلع والاضطراب، خائف من المرض وخائف من ابتعاده المفاجئ عن عائلته.
ويضيف: بالأمس تحديدا في مدينة الخليل اضطررنا لأخذ طفلين بعد فحص العائلة كاملة بعد ثبوت اصابتهما بالمرض. كان المشهد محزنا مليئا بالدموع المختلطة بالخوف والهلع فحاولنا أن نخفف من تأثيره على العائلة بأكملها.
ويحذر الطبيب محمود التوم من المرحلة المقبلة لافتا إلا أنها الأخطر منذ بداية دخول الوباء، وعلى عكس الدارج بأن اشتداد الحرارة قد يقلل من انتقال العدوى فإنه قد ثبت العكس، وبأن الفايروس اشتدت شراسته في الفترة الحالية.
ووفق الطبيب فإن الأعراض لم تكن تظهر على صاحب المرض، ويكمل عملية الشفاء دون أخذ حبة مسكن واحدة، ولكن الآن هناك هجمة جديدة للكورونا أصبحت تصلنا حالات ضيق في التنفس بل إن هناك دخول لغرف العناية المركزة ما يتطلب منا أخذ الحيطة والحذر أكثر وتطبيق منهج التباعد.