بأكتاف عريضة، وعينين زرقاوين، ووجه بشوش، وقف عاصم البرغوثي بكل ما أوتي من هدوء على بوابة المعتقل ليرى آخر ضوء للشمس، واضعا قدمه على عتبة اليوم الأول في حكم أربع مؤبدات.
وللقصة قصة تسبقها، كما كل القصص التي نسجها آل البرغوثي عبر عقود متتابعة، وجوههم مرسومة بعناية فائقة على جدران قرية كوبر، منحوتة على سطور الوجع، تنطفئ الثورة بين الوقت والآخر وفي صدورهم لا تنطفئ.
وهذا عاصم الذي غادر المعتقل في 2018 بعد قضاء حكم عشر سنوات طوال، بدأها وهو ابن العشرين وأنهاها وهو في الثلاثين.
ولأن عشر سنوات غير كافية لإطفاء ثورة صادقة اشتعلت من جديد، وكأنها تولد للمرة الأولى، أكمل عاصم طريقه، فلا سنوات عشر تطفئ الثورة، ولا تحرك في عقول الصابرين شيئا، ورغم زواج عاصم وانجابه قيسا إلا أن العناد في قلبه ازداد مع ازدياد صوت الحق، وظلم المحتل ومصادرة الأرض.
نفذ عاصم مع شقيقه صالح عمليته الأولى بعد الأسر برشاش خبأه تحت الأرض لعشر سنوات أسر، انتظره حتى يعود انتظار المحب العاشق، ثم أطلق الشقيقان النار تجاه إحدى المستوطنات فسقط مستوطن، هرب عاصم واستشهد صالح.
ولأن الأبطال لا يتقنون الهروب عاد لينتقم بعدها بأيام لشقيقه الذي رحل دون وداعه، فسقط ثلاثة جنود آخرين فيما سمي بعملية (جفعات أساف) شرقي رام الله، في 13 كانون أول 2018.
ولأن عائلة البرغوثي قدمت كأسطورة في النضال، يصعب أن يحصر نضالها الطويل في قصة واحدة وفي اسم واحد، فحصيلة ما قدمه معتقلو آل البرغوثي وحدهم خلال سنوات نضالهم وصل الى 150 عاما من الاعتقال.
وفي قرية كوبر يعلم الجميع تلك الأزقة المؤدية لمنزل أبو عاصم البرغوثي، ويعلمون عدد المرات التي هدمته فيها جرافات الاحتلال، ويذكرون وجه نائل البرغوثي أحد أعمام عاصم والذي يعتبر أقدم أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، كما أن أخوال وأعمام عاصم متهمون بقتل نحو 19 جنديًا (إسرائيليًا) عبر العقود الماضية`
وقد وصلت حالات الاعتقال بين أفراد عائلة البرغوثي منذ استشهاد صالح في الثاني عشر من ديسمبر لعام 2018 إلى أربعين حالة أسر، فأبو عاصم وأبناؤه الثلاثة رهن الاعتقال منذ تلك اللحظة واليوم يضاف إليهم حكم بأربع مؤبدات كاملة للطير الحر عاصم البرغوثي.