بقلم: خلود نصار
بعد أن انتهي من مساعدة والدتي في أعمال المنزل من تنظيف و غيره، لا أفعل شيء سوى مراقبة الجيران والّذاهبين والرائحين في حارتنا فالآن نحن في الإجازة الصيفية لا عمل لدي فلطالما أحببت المراقبة وملاحقة جميع الأمور حتى صغائرها.
أسكن في شارع صغير فرعي مغلق اعتدت على مراقبة الجميع من حولي.. والدي جالسا يحتسي كوب شاي ويغرق في مشاهدة الأخبار التي تعد جزءا من جدوله اليومي , أمي تعصب رأسها بشال صغير تتصبب عرقا من حرارة المطبخ الصفيحي، تقف في المطبخ أمام منصب الغاز تحمل بيدها أخي الرضيع الذي يشبه القنبلة الموقوتة عندها ينفجر بالبكاء ولا يسكته أي شيء, وباليد الأخرى تحرك الطعام, ولا تكف عن الصراخ على إخوتي الأربعة الصغار , الذين لا يكفوا عن الشجار على أشياء تافهة كبعض الحاجيات أو الألعاب البلاستيكية التي تعد بالنسبة لهم كنز ثمين , أما جدتي العجوز فكعادتها تجلس مع قريناتها العجائز منذ الساعات الباكرة عند باب بيت أحدهم يقصون القصص ويتناولون واحدة من الأكلات القديمة التي لا أطيق أكلها. صوت بائع الخضروات أبو أحمد " بائع الحارة " الذي اعتاد سكان الحارة أن يشتروا جميع خضارهم منه ينادي بأعلى صوته " اصابيع البوبو يا خيار .. حمرا يا بندورة " فيما يتعلق بعض الأطفال الصغار في مؤخرة العربة التي يجرها الحمار الأسود النحيف, فمجرد وصوله يجتمع من أراد من السكان أن يشتروا و تبدأ دوامة النقاش بين البائع والمشتري على الأسعار, وعلى الجانب الآخر يجلس جارنا السبعيني يونس أمام باب منزله يحتسي كوب قهوته الحلوة المعتادة رغم انه يعاني من مرض السكر, فيما يلصق المذياع اليدوي الصغير على إذنه حينا و يضربه بيده حينا آخر مقلبا عجل المذياع محاولا التقاط موجه ليسمع أغاني "فيروز" التي يسر لسماعها.
وعلى مقدمة شارعنا يجتمع رجال الحارة أبو فهد وأبو سائد وأبو علي تعلو أصواتهم في مناقشة آخر الأخبار السياسية وكل يريد أن يبرز قدرته في النقاش ثم تنتهي نقاشاتهم بلا شيء.
وعلى سطح المنزل المقابل يختبئ ابن الجيران ياسر من والدته بين أغطية نشرت على أحبال الغسيل يحمل بيده وردة ليعطيها لجارته سالي التي تسكن السطح الآخر.
وجارنا سامح طالب الثانوية العامة الذي يطل بين الحين والآخر من نافذة منزله ليصرخ على الصغار الذين يلعبون تحت نافذته لعدم قدرته على التركيز فهو من الطلاب المجتهدين في حارتنا يطمح لدخول كلية الهندسة التي حلم بها منذ كان صغيرا .
تستمر يوميات جيراننا كل يوم كالعادة لا شيء جديد .. !!