مجددا أعلن محمود عباس رئيس السلطة حالة طوارئ في الضفة المحتلة لمدة شهر بسبب جائحة كورونا، وهو ما وضعه محل انتقادات حقوقية باعتبار أن تلك الحالة غير دستورية.
ووفق ما أكده حقوقيون فإن تمديد حالة الطوارئ مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003، باعتبار أن القانون يجيز تمديد الطوارئ 30 يوما أخرى بموافقة ثلثي أعضاء التشريعي.
كما أن الاستمرار في تجديد الطوارئ سيولد تغيرات وفراغات قانونية، وسيترتب عليه أيضا إنشاء مراكز قانونية جديدة يصعب إنهاؤها، بالإضافة إلى أن حالة الطوارئ ستتسبب في الانحدار إلى الفوضى وتهديد السلم الأهلي، كما سيقوض ما تبقى من النظام السياسي ويجعله خارج القانون، وكذلك سيمس بالقواعد الدستورية وفق حقوقيين.
وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، فإن رئيس السلطة محمود عباس "أصدر مرسوما بإعلان حالة الطوارئ من جديد، يبدأ بتاريخ 4 يونيو، ولمدة 30 يوما، لمواجهة استمرار تفشي كورونا.
وبإعلان عباس، تدخل أراضي السلطة الفلسطينية شهرها الرابع في حالة الطوارئ، التي بدأت في 3 مارس الماضي، عقب الإعلان عن اكتشاف حالات مصابة بكورونا في مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية.
وتنص المادة 110 من القانون الفلسطيني المعدل للعام 2003 من الأحكام الخاصة بإعلان حالة الطوارئ ما يلي:
- عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية يجوز إعلان حالة الطوارئ بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً.
- يجوز تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً أخرى بعد موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية ثلثي أعضائه.
- يجب أن ينص مرسوم إعلان حالة الطوارئ بوضوح على الهدف والمنطقة التي يشملها والفترة الزمنية.
- يحق للمجلس التشريعي أن يراجع الإجراءات والتدابير كلها أو بعضها التي اتخذت أثناء حالة الطوارئ وذلك لدى أول اجتماع للمجلس عقب إعلان حالة الطوارئ أو في جلسة التمديد أيهما أسبق وإجراء الاستجواب اللازم بهذا الشأن.”
فيما فرضت المواد 111-113 نطاقا للقيود التي يمكن أن تحصل على الحقوق والحريات، بحيث أنه لا يمكن فرضها إلا بالقدر الضروري ولتحقيق الأهداف المعلنة في مرسوم حالة الطوارئ.
وحددت الضوابط التي يجب مراعاتها عند إجراء أي اعتقال أثناء حالة الطوارئ، حيث اشترطت مراجعة ذلك من قبل النائب العام أو المحكمة المختصة، بالإضافة لمنح الموقوف الحق بتوكيل محاميًا يختاره، إضافة إلى أنها حظرت حل المجلس التشريعي أو تعطيله طوال مدة الطوارئ.
وفي ذات السياق، كانت مؤسسة الحق دعت الشهر الماضي في بيان لها إلى وقف إصدار القرارات بقانون، وإعلان انتهاء حالة الطوارئ، واحترام مبدأ سيادة القانون، وتفعيل التشريعات النافذة بشأن مواجهة انتشار وباء كورونا.
وجاء في بيان الحق، أنها تابعت ما أسمته بـ"فوضى المراسيم والقرارات بقوانين" الخاصة بحالة الطوارئ منذ أن جرى الإعلان عنها خلال انتشار وباء كورونا في الخامس من آذار الماضي، حيث جرى تمديد حالة الطوارئ الأولى لمدة 30 يوماً خلافاً للإجراءات الواردة في القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003، والتي تتطلب موافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي.
وأعربت الحق في بيانها، عن خشيتها من استخدام حالة الطوارئ لغايات غير تلك التي أعلنت من أجلها، وخصوصًا أن الحياة عادت لطبيعتها إلى حد كبير، وأن هناك إمكانية للتعامل مع الوباء دون الحاجة لإعلان حالة الطوارئ، ما يشير إلى استسهال إصدار مراسيم، وتشريعات استثنائية تطيل أمد هذه الحالة، وهو ما حذرت منه الحق منذ البداية.
واعتبرت الحق أن أي تشريع أو إجراء تتخذه أي من السلطات الثلاث يجب أن يكون متوائماً مع أحكام القانون الأساسي ولا يتجاوزه أو ينتهكه أو يفسّره على نحو يخالف فلسفته وأحكامه، وأن إصرار القانون الأساسي على موافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي على تمديد حالة الطوارئ هو تقييد لصلاحيات السلطة التنفيذية في استخدام حالة الطوارئ، لما لها من مخاطر على الحقوق والحريات، وفتح المجال أمام استغلالها لغير الغايات التي أعلنت من أجلها.
ودعت مؤسسة الحق إلى الوقف الفوري لإصدار القرارات بقانون، وإعلان انتهاء حالة الطوارئ، واحترام مبدأ سيادة القانون، وتفعيل التشريعات النافذة بشأن مواجهة انتشار وباء كورونا، بما يكفل عودة الحياة الدستورية للنظام السياسي.
بدوره، يرى عصام عابدين الخبير الحقوقي أن إعلان الطوارئ بسبب انتشار فيروس كورونا غير دستوري، حيث أن ذلك -ودون التقليل من خطر انتشار الفيروس- لا يندرج ضمن الحالات الدستورية الحصرية الأربع التي تجيز إعلان الطوارئ، وهو ما يجعل هذا الإعلان انتهاكًا للقانون الأساسي.
وفي سياق متصل، ينتقد عابدين القرار بقانون رقم (7) لسنة 2020 بشأن حالة الطوارئ، والذي كان أصدره الرئيس عباس يوم 22/3/2020، حيث يشير إلى أن المادة (1) منه تنص على أنه "عند إعلان حالة الطوارئ بمرسوم رئاسي وفقا للقانون الأساسي، يتولى رئيس الدولة أو من يخوله صلاحيات إنفاذ احكام ذلك المرسوم، والقرارات، والتعليمات المنبثقة عنه"، حيث أن ذلك يتجاوز -وعلى نحو مفتوح- الصلاحيات الدستورية الحصرية للرئيس الفلسطيني والمحددة في القانون الأساسي.