"ابني محمود تم ضبطه متلبساً بالصورة وهو يدخــن (..) حياتنا كوميديا سوداء" هذا ما كتبه الناشط الحقوقي بادي دويك حين أرسل له صديقه صورة ابنه ذي الستة عشر عاما وهو يدخن السيجارة وجندي الاحتلال يلاحقه ويطلب منه أن يكشف عن جسده للتفتيش خلال مظاهرة قرب باب الزاوية في مدينة الخليل.
الفتي كان واثقا خلال مطاردة الجندي له، فرفع قميصه وبقيت السيجارة في فمه وهو يبتسم، تلك الصورة لم تثر غضب والده، رغم أنه كان دوما يسأله إن كان يدخن فيجيب الصبي والده بالنفي.
يقول الاب: "دوما كانت تأتيني أخبار بأن ولدي محمود يدخن، وحين أساله ينفي ذلك، لكن هذه الصورة أثبتت تورطه، لكني لم أوبخه رغم معاتبتي له"، متابعا: شعرت بالفخر حين رأيت الصورة وعلقت بالقول: الصبي الذي لم يسقط السيجارة من فمه أمام جندي مسلح، لن يسقط أرضه أبدا".
وتابع وهو يروي "للرسالة نت": عندما رأيت صورة محمود بالصدفة على صفحة أحد الأصدقاء الصحفيين لم تكن مفاجأة لي أن أرى جنود الاحتلال (الإسرائيلي) الصهيوني يحاولون إذلال طفل فلسطيني والتنكيل فيه (..) فكم من طفلٍ استشهد وفجعت أمه وعائلته، وكم من طفل اُعتقل وزج في السجن لسنوات بالرغم من جسمه الغض وبالرغم من طفولته التي سرقها الاحتلال قبل ولادته".
ويحكي دويك أنه حين رأي ابنه لم يضربه كما توقع الكثيرون، بل وبخه وشكر الله على رحمته بأن الجنود لم يضربوه على مكان عمليته في البطن إثر انفجار الزائدة الدودية في جسمه، وأجريت له عمليتان وأمضى شهرا ونصف في المستشفى للعلاج بسبب انتشار السموم في جسمه.
والبعض من المعلقين على صورة الفتي مازحوه قائلين " باع كليته واشترى سيجارة" في إشارة منهم إلى مكان الجرح في جسده، عدا عن اخرين كتبوا "يا ريت تنحبس ولا ترجع عالدار أبوك بستناك ليضربك".
ويوضح والد "محمود" أنه يدرك خطورة التدخين معلقا "بكفي أنه أحرج مني (..) وأحمد الله أنه عاد لي معافى بدلا من سجنه وإلصاق تهم به قد تقضي على طفولته ومستقبله".
وقال: "كأب فإنني أتوجع كثيراً لحال أطفالنا ومستقبلهم الغامض، وأخاف عليهم أكثر من الضربات التي تأتيهم من الخلف (..) لا أحد يحب أن يرى ابنه سجينا أو قتيلا، وفي نفس الوقت لا أحد يحب أن يشاهد ابنه ذليلا أو منكسرا، ويشعر بالنشوة عندما يراه منتصرا".
أعود وأنظر إلى الصورة حتى تتلاشى من بعدها كل الصور والتخيلات والمخاوف، وتبقى صورة واحدة فقط عالقة في ذهني وهي صورة ابني محمود الذي وقف شامخاً أمام جنود الاحتلال المدججين بأحدث الأسلحة دون أن يرف له جفن فكان كشموخ جبال الخليل والجليل مجسدا شموخ الشعب الفلسطيني على مدار التاريخ أمام كل الغزاة.
وختم حديثه ضاحكا: احتضنته وألبسته الكوفية والتقطنا صورة ووضعتها على الفيسبوك لطمأنه المتابعين أنني لم أضربه".