مضت خمسة عشرا عاما بثقل كبير على الحاج السبعيني سميح قعدان "أبو سمير" منتظرا لحظة الافراج عن ابنه "عبد الرؤوف" المحكوم 16 سنة.
كان يحسب موعد الافراج عن ابنه بمراقبة حفيده "سمير" ليكبر فيدرك أنه حين سيتم السادسة عشر سيفرح بعودة ابنه من المعتقلات الإسرائيلية ويلتقط الصور التذكارية برفقة عائلته.
في السنة الأخيرة التي يمكث فيها "عبد الرؤوف"- 41 عاما- داخل معتقله، قرر والده إعداد رزنامة بيده بطول 120 سم، علقها على الحائط فيها كل أيام السنة، وفي صباح كل يوم فور عودته من صلاة الفجر يشطب رقما.
حين وصل "أبو سمير" إلى منتصف الرزنامة بدأت دقات قلب الاب ترقص فرحا، بقيت شهور معدودة وسيرافقه ابنه الذي قضى سنوات شبابه داخل الاسر إلى المسجد والزيارات الاجتماعية وسيشاركه جلسات السمر مع أفراد العائلة.
وكانت قوات الاحتلال المتمركزة عند حاجز أبو هولي وسط القطاع في نوفمبر 2004، اعتقلت الأسير عبد الرؤوف الذي يسكن في حي تل السلطان بمدينة رفح جنوب القطاع، متهمة إياه بالانتماء إلى كتائب شهداء الأقصى ومقاومة الاحتلال.
التقت "الرسالة" الحاج أبو سمير للحديث عن فكرته لانتظار ابنه الأسير، وقال: "حين علم عبد الرؤوف بما فعلت ظن أنني سأتعب نفسيا وطلب أن أتجاهل الرزنامة من أجل صحتي، لكني أخبرته أنني سأرتاح نفسيا بذلك (..) فعليا حين أشطب كل يوم أشعر بالراحة واقتراب الموعد".
ويحكي أبو سمير أنه لا يسمح لأحد بشطب الأيام حتى حفيده ابن الأسير، لكنه يسمح له بأن ينظر إليه ويشاركه فرحة شطب كل يوم يمضي، مبينا أن الجميع ينتظر لحظة الافراج ويتسابقون بما سيقدمونه له تعويضا عن السنوات التي قضاها في الزنازين وكذلك وفاة والدته التي رحلت قبل عام وثمانية شهور.
وعن المتبقي للإفراج عن ابنه، أجاب أبو سمير فرحا: 120 يوما يا عمي باقي وأحضن فيها ابني (..) بدي أعوض كل سنوات الغياب (..) بدي أفرحه وأخطب له عروسا".
وتابع: "عبد الرؤوف مشتاق لأكل أمه فهو يحبه كثيرا، ستجتهد أخواته لصناعة ألذ المأكولات بطريقة والدتهن المتوفاة".
وتحدث أبو سمير بأنه قبل أزمة كورونا تمكن من زيارة ابنه في السجن، ومنذ ذلك الوقت لم يسمح له كحال غالبية أهالي الاسرى، مستذكرا اللحظات التي كانت ترافقه فيها زوجته مع حفيده حين كانوا يتشاركون مشقة الطريق.
وعن حفيده سمير، ذكر أن رغم الحضانة تعود له إلا أنه أبقاه مع أمه التي فضلت الانفصال عن زوجها، مشيرا إلى أنه لم يرغب بحرمان "سمير" أمه كما حرمه الاحتلال والده.
وفى بداية حكاية الحرية، ينتظر الحاج أبو سمير أن يشطب اليوم الأخير من رزنامته ليستقبل ابنه بحفاوة، فهو آخر العنقود والشوق له يزيد مع مرور الأيام.