في الداخل المحتل، والقدس.. في الخليل وبيت لحم، أزقة طويلة تتناثر على جوانبها الحوانيت القديمة، لكل منها حكاية مع لقمة العيش، وصراع للحفاظ على التاريخ القديم.
مع كل حجر بني حانوت لعائلة عريقة من أهل المدينة، في الداخل وفي القدس وفي الضفة الغربية، يسعى الاحتلال الى طمسها بمصادرة الحجارة.
وهناك أصحاب الحوانيت الذين حافظوا على حجارتها لتبقى شاهدا على الأقدم فالأقدم، على ملكية الأرض التي يدعي العالم أنها أصبحت قضية للتنازع، بينما تعرف حجارة الحوانيت أهلها الحقيقيين وتعرف أيضا عدوها المحتل.
سوق أثري مهجور
ففي شفا عمرو سوقها القديم الذي لم يعد بلدة قديمة لما يواجهه من حالة التهويد اليومية وهدم لمحلات قديمة لأصحاب عرب كانوا هنا بالأمس وصودرت حوانيتهم لتبنى مكانها المولات التجارية وتحمل جدرانها أسماء الماركات العالمية، ليمر الناظر الى 99% من محلات السوق القديم والتي أصبحت جميعها حطاما أو بقايا حجارة قديمة مغلقة الا من حانوت قديم لإسكافي يخيط أحذية لأناس مروا من أمامه بالصدفة.
في السوق كنيس وكنيسة ومسجد قديم، وفيه العشرات من الحوانيت المغلقة التي صادر الاحتلال مفاتيحها، حيث يقول صاحب الحانوت الوحيد أنه وقبل أربعين عاما كان السوق يضج بالدكاكين ويقدر عمر السوق بمئتي عام حيث كان السوق هو المركز التجاري الوحيد الرئيسي للبلدة المحتلة.
ويحاول التجار القدامى احياء الروح في سوق شفا عمرو القديم وعمل مهرجان قطاف الزيتون في كل عام والاحتفال بالأغاني والأهازيج الفلسطينية القديمة في محاولة لإبقاء البصمة القديمة على جدران السوق المهجورة، ولكن الاحتلال يسعى دوما من خلال قانون:" أملاك الغائبين" إلى طمس قصص الغائبين ومحوها عن بيوتهم المهدمة، ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم تدريجيا.
أسواق القدس
أما أسواق القدس فتبدو حكايتها حكاية حياة وممات تعيشه يوما بيوم، فالتضييق على أهالي القدس من قبل الاحتلال يختلف عما يعانيه الداخل المحتل.
وكلما دخلت أسواق القدس وصولا إلى باب العامود كلما توضحت لك الصورة أكثر، فعلى جوانب الطريق العشرات من الحوانيت المغلقة لأن أصحابها هجروها خوفا او افلاسا أو بسبب تأثر حركة الشراء والبيع خاصة في سوق العطارين، الذي يعاني من ارتفاع الضرائب التي يفرضها عليه المحتل والتي لا يقوى أصحاب الحوانيت على دفعها ما اضطرهم لإغلاقها بعد أن أفلسوا، ويعمل في سوق العطارين والذي يدعى بسوق اللحامين أيضا 22 حانوتا فقط بعد اغلاق بقية الحوانيت التي كان يبلغ عددها 88.
ويقوم جنود الاحتلال بإفراغ كل الممرات التي تؤدي الى الأقصى ومن ضمنها سوق العطارين من الباعة والزوار في محاولة لتأمين الطريق للمستوطنين المتوجهين الى اقتحام الأقصى.
بالإضافة الى أن سوق العطارين يعتبر من أكثر الأسواق التي تعرضت للاعتداءات نظرا لقربه من الأماكن المقدسة فقد تعرض لكثير من الاقتحامات والتفجيرات واعتقالات لأصحاب المحال القديمة، مقابل الأسواق المزدهرة في منطقة باب الخليل والحي اليهودي حيث التجار اليهود.
محاولات التهويد
ولا يهدأ الاحتلال ولا يكل منذ سبعين عاما من تهويد كل حجر أثري لطمس أي هوية عربية، ورغم استحالة إخفاء التاريخ الا أن الأسواق الأثرية القديمة كانت ضحية في كل شبر أيضا ففي الناصرة في الداخل المحتل هود سوق الناصرة القديم، وأتى هذا التهويد على كثير من الأشكال.
فتارة عن طريق بيع مبان تاريخية في سوق الناصرة القديم ليهود، كما حدث في يافا وعكا وحيفا واللد والرملة، ويدعي اليهود وجود آثار يهودية قديمة تستدعي هدم الحوانيت في السوق الأثري، ثم ادعاءات أخرى بإدخال مشاريع التطوير والبناء للسوق فتقتلع الأسواق من أيدي ملاكها العرب وتحل محلها محلات ومشاريع يقودها ويملكها مستوطنون.
ويتعرض سوق الناصرة منذ عقود لمخططات التهويد المستمرة، ويخشى الأهالي أن ينتهي الحال به، كما حدث للسوق في مدينة عكا، وتحديدًا في البلدة القديمة، حيث انخفض عدد سكان السوق العرب من 8 آلاف مواطن إلى نحو ألف و500 مواطن خلال 8 أعوام، بفعل مخططات التهويد.
أما في الخليل فسيقع سوق البلدة القديمة بحوانيته الأثرية ضحية مشروع الضم، بل وسيكون هو الضحية الأكبر في المشروع وليس ذلك وليد اللحظة، بل هي خطوات متسارعة منذ سنوات وذلك منذ منح المستوطنين سلطة إدارية في عام 2017 وبهذه السلطة تتحول معظم أملاك بلدية الخليل في البلدة القديمة إلى تصرف بلدية المستوطنين.
وقد صادق الاحتلال خلال السنوات الثلاث الأخيرة على بناء عدد من البؤر الاستيطانية، التي تتيح له بناء أكثر من 31 وحدة استيطانية على أنقاض التاريخ القديم وطمس سوق الخضار في البلدة القديمة بحوانيته بالإضافة الى المصادقة على بناء 28 بؤرة استيطانية أخرى في سوق الخليل القديم، وكل ذلك ضمن خطة الضم.