تحت ضغط المتغيرات السياسية تقبع الساحة الفلسطينية التي تعج بالخلاف الداخلي والانقسام السياسي منذ 13 عاماً، ولم تنجح كل الأزمات التي عصفت بالقضية خلال السنوات من جمع حركتي فتح وحماس قطبي العمل السياسي في الأراضي الفلسطينية.
وأمام التحديات الخطيرة التي عصفت بالقضية منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب واعلانه عن صفقة القرن التي تهدف لتصفية القضية وفيما بعد مخطط فرض السيادة على الضفة الغربية والأغوار، حاولت الحركتين إحداث تقارب.
توج هذا التقارب بالمؤتمر المشترك الذي جرى بين جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح وصالح العاروري نائب رئيس حركة حماس.
خطوة وصفت في حينه بأنها إعلامية أكثر والهدف منها محاولة إرسال رسالة للاحتلال بأن السلطة ستتجه للمصالحة الداخلية في حال الاستمرار في مخطط الضم وليس بهدف تحقيق مصالحة حقيقية، خاصة أنها مرت أسابيع على المؤتمر دون خطوات لاحقة.
مؤخراً أعلن الرجوب أنه تم الاتفاق مع حماس على إقامة مهرجان وطني في قطاع غزة خلال الأيام المقبلة، مضيفاً أنه سيكون محطة تاريخية لتجسيد الموقف الفلسطيني الموحد في مواجهة مشروع تصفية القضية الفلسطينية من خلال مشروع الضم وصفقة العصر.
وأكد الرجوب أنه ستكون هناك كلمة للرئيس محمود عباس خلال المهرجان ولقادة وطنيين، مشيرا إلى أنه تم تكليف عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" أحمد حلس لمواصلة الاتفاق على الآليات وتحديد الزمان والمكان.
الإعلان عن المهرجان وعقد لقاءات بين الحركتين للتباحث حول الترتيبات الخاصة به لم يزد من جرعة الاهتمام الشعبي بقضية المصالحة التي يأس منها بعد عشرات الاتفاقات دون أي نتيجة حقيقية على الأرض.
ويمكن القول إن المصالحة ما زالت بعيدة المنال حتى لو عقد المهرجان وخرج بالشكل والنتيجة المطلوبة وذلك كونه يأتي بعد سنوات من الانقسام تراكمت خلالها الأزمات بكل تفاصيلها وانسحبت حالة الانقسام على كل تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني.
ومن ناحية أخرى يمكن وصف التقارب الحالي بين الحركتين بأنه التقاء على مفترق طرق، بمعنى أنه تقارب مدفوع بالأزمة التي يعاني منها كل طرف، حيث أن حركة فتح تشهد أزمة عاصفة تتمثل في مخططات الاحتلال لضم الضفة والتي تهدد بانهيار السلطة بعد انهيار مشروع التسوية بالكامل.
وترى فتح خطورة بالغة في مسألة الضم كونها تهدد شرعية وجودها الوطنية، وذلك نتيجة الانهيار الكامل للمشروع السياسي الذي تبنته خلال عقدين من الزمن، فقد وجدت نفسها أمام طريق مسدود لا يوجد إمكانية لإحداث أي اختراق حقيقي فيما يتعلق بمشروع التسوية وإقامة الدولة على حدود 1967, وفي الوقت ذاته عاجزة عن العودة لما قبل أوسلو وانشاء السلطة لتبقى عالقة في منتصف الطريق.
من ناحية أخرى فإن فتح مشغولة أكثر بـ"التمكين" لنفسها في الساحة الفلسطينية من خلال استخدام أدوات السلطة سواء في الإنفاق على مؤيديها، ودعمهم سياسيّاً وأمنيّاً وإعلاميّاً، أو في الضغط على خصومها ومحاولة تهميشهم أو تطويعهم، إلا أن جائحة كورونا تزيد من المأزق الذي تعانيه في الضفة.
كما تعاني الحركة من أزمة عاصفة نتيجة صراع الخلافة بين أقطابها على خلافة الرئيس عباس والاستعداد لمرحلة ما بعده والتي يستعد لها أقطاب التنظيم والتي يتوقع انها ستكون معركة شرسة.
أما حركة حماس فهي تعاني بدورها من أزمة الحصار والوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، إضافة إلى أزمة العداء الواضح الذي تكنه لها عدة دول عربية باتت تستخدم وسائلها الاعلامية لمهاجمة حركة المقاومة بشكل صريح واتخاذ خطوات ضدها مثل تشديد الحصار المالي عليها وتنفيذ اعتقالات بحق كوادرها ومحاكمتهم.
ويبدو أن المأزق الخاص بالحركتين هو ما يدفع اليوم للتقارب المؤقت والذي من المتوقع ان ينتهي قريباً دون مصالحة حقيقية.
ويبدو أن نقاط الخلاف الأساسية ما زالت قائمة وتتعزز مع مرور الوقت، والتي تتمثل بالدرجة الأولى في الخلاف حول المشروع السياسي، حيث تتمسك كل حركة بموقفها ومشروعها السياسي ورغم انهيار مشروع التسوية ومخطط الضم الإسرائيلي إلا أن السطلة ما زالت تتمسك به وتسعى للعودة للمفاوضات.