عادت الأوضاع في الجبهة الجنوبية للاحتلال إلى أجواء التسخين والتصعيد التدريجي، في أعتاب استئناف إطلاق البالونات الحارقة من قطاع غزة نحو الغلاف، وإطلاق المقاومة "قذائف تجريبية" نحو البحر غربًا، ضمن رسائل واضحة المقصود منها قيادة الاحتلال.
يؤشر هذا التصاعد في الأحداث الميدانية إلى أن المقاومة الفلسطينية قررت على ما يبدو خوض الجولة الثانية من محاولات كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، عبر إلزام الاحتلال تنفيذ تفاهمات التهدئة التي كانت المحطّة الأولى على سكّة الحل.
لا يخضع قرار التصعيد للمزاج أو الرغبات، بل هو في حقيقته ردّ فعل فلسطيني مدروس على عدم التزام الاحتلال بتفاهمات التهدئة، وفشل كل محاولات الضغط غير العسكرية غالبًا باتجاه دوام الهدوء على جبهة غزة، خصوصًا أن مضامين التفاهمات ومشاريعها مقيّدة بمدد زمنية للتنفيذ.
لكن الاحتلال قدّر خاطئًا على ما يبدو أن التنصّل والمراوغة يمكن أن يكونا سهلين تحت ضغط المتغيرات الحاصلة في الواقع العام، وتحديدًا التي فرضها فيروس كورونا والضائقة التي رافقته، إلا أن الخبرة بالطبائع، وجّهت إدارة المقاومة نحو إعادة الاحتلال إلى المحددات التي أسست لهذه التفاهمات، التي وافق عليها بوساطة مصرية وأممية.
ويدلل على ذلك ما أفاد به موقع "والا" العبري، نقلاً عن مصدر أمني، بأن "إسرائيل" أرسلت رسائل لحركة حماس عبر وسطاء، بأنها "تعمل على تمرير المشاريع، ولكن التأخير نابع من الإجراءات البيروقراطية والصعوبة في مساعدة الجهات الدولية كجزء من تداعيات أزمة كورونا"، وقول المصدر: إن "على حماس أن تفهم أن الحديث لا يدور عن فعل إسرائيلي مقصود، ولكنه مرتبط بالواقع".
كما اختارت المقاومة التصعيد "التدريجي" في توقيت حساس، يتصل بالوضع الداخلي الإسرائيلي، والخلافات التي بدأت تطفو إلى السطح، بل نزلت إلى "الشارع الإسرائيلي" بمظاهرات أمام مقر إقامة نتنياهو لنحو أربعة أسابيع على التوالي، والتلويح بإمكانية الذهاب إلى انتخابات مبكرة في ضوء تبادل الاتهامات بالفشل والإفشال، فقد ذكرت القناة "12" العبرية أن "المعارك التي تُجرى داخل الحكومة خاصة بين نتنياهو وغانتس تدفع بالأمور نحو انتخابات رابعة"، لذلك وصف الصحفي اليؤور ليفي في "يديعوت" أن إطلاق الصواريخ التجريبية في غزة "جاء في وقت مثير للاهتمام".
وقد تسببت هذه الخلافات في آخر تطوراتها بإلغاء جلسة الحكومة التي كانت مقررة هذا الأسبوع؛ بسبب عدم التوافق على جدول أعمال الحكومة، التي قرر نتنياهو عرقلة عملها سعياً لإظهارها عاجزة عن القيام بمهامها أمام الجمهور.
وهذا التوقيت للتصعيد لن يكون مريحًا للمستوى العسكري، رغم التهديدات الفارغة لغانتس، الذي يدرك أن تصعيدًا في غزة يعني انتقال "الإشغال" من الجبهة الشمالية إلى الجنوبية، أو استنفار ليس في صالحه على جبهتين.
أما "دخان السماء" الذي رسمته القذائف التجريبية، فيبعث إشارة إلى أن المقاومة تواصل باستقامة أعمال الإعداد والتطوير، أو قد تكون انتهت. وهو إنذار وإنجاز في الوقت نفسه، يفسر توجّه المقاومة إلى خوض الجولة الثانية من محاولات كسر الحصار، وتبدو نتيجة لذلك منجذبة أكثر نحو المطالبة بتحقيق وتحصيل إنجازات أكبر، وهو توجّه يحظى بالتوافق الوطني والدعم الشعبي الكامل لدقّ أكثر شدة وقسوة لجدران الحصار.
هذه المعطيات تضعنا أمام احتمالية تصعيد قريب يضع قيادة الاحتلال أمام خيار واحد فقط وهو الالتزام بالتفاهمات، سواء قرر خوض جولة قتال أو امتنع، ولا يوجد أي احتمالية لعودة المقاومة، كما عودتنا، عن مطلبها. وتقديري أن هذا العمل الدقيق، لن تكون نهايته إلا تحطيم الرقم 14، هي سنوات عمر الحصار.
الجولة الثانية لتحطيم الرقم 14
بقلم/ أحمد الكومي