أحسنت قيادة السلطة الفلسطينية صنعا عندما أصدرت بيانها القوي ضد اتفاق التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني؛ فقد كان من الأهمية بمكان أن يتم وضع الأمور في سياقها الصحيح ويبرز فيه موقف الشعب الفلسطيني، الذي يرى فيما قام به حكام الإمارات فعلا خيانيا، وطعنة نجلاء في ظهر الشعب الفلسطيني وقضيته.
في الوقت ذاته، فقد كانت ردة فعل الحركات والقوى الفلسطينية والأطر الفلسطينية على الاتفاق قوية جدا وامتازت بقدر كبير من التحدي.
لكن ردة فعل السلطة الفلسطينية والفصائل والأطر الشعبية في مداها الحالي لا تكفي بالمطلق لمواجهة تبعات هذا الاتفاق الخياني، التي سيكون لها تأثير بالغ وممتد على القضية الفلسطينية وبيئتها، في حال لم تواجه ببرنامج وطني شامل يخرج عن الردود البيانية والإنشائية.
رد فلسطيني شامل على الخطوة الإمارتية هو أمر الساعة لأنه بات في حكم المؤكد أن المزيد من نظم الحكم، سيما في الخليج، ستقدم على خطوة مماثلة في القريب العاجل. وفي حال لم يتم التصدي لهذه الموجة بموقف فلسطيني صلب ومتماسك، فإن نظما حكم خارج منطقة الخليج ستلحق بهذا الركب البائس، سيما في حال أسفرت الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة عن بقاء الرئيس دونالد ترامب في الحكم.
ومن الواضح أن اقدام المزيد من نظم الحكم في العالم العربي على التوقيع على اتفاقات تطبيع كامل مع الكيان الصهيوني سيمس بشكل خطير ببيئة القضية الفلسطينية لأن الحديث لا يدور فقط عن التطبيع بمفهومه الشائع بين الدول والكيانات السياسية في العالم، بل إن اتفاقات التطبيع تعني إخراج الشراكات الإستراتيجية والتعاون الأمني والاستخباري والاقتصادي بين الكيان الصهيوني وهذه النظم من مرحلة السر إلى العلن.
وبكل تأكيد، فإن الكثير من مظاهر الشراكات والتعاون الأمني والاستخباري بين الصهاينة وهذه النظم تستهدف القضية الفلسطينية، سواء على صعيد محاولة تمرير صيغ التسوية الهادفة إلى تصفية القضية، مثل "صفقة القرن" أو الدفع نحو بيئة إقليمية ودولية تساعد الكيان الصهيوني على إرساء الوقائع على الأرض وحسم مصير الأرض الفلسطينية عبر الاستيطان والتهويد، وضمن ذلك تهويد المسجد الأقصى.
ليس هذا فحسب، بل إن هذا الواقع سيساعد على توفير بيئة إقليمية ودولية تساعد الكيان الصهيوني على محاولة حسم المواجهة مع المقاومة في قطاع غزة.
من هنا، فإن الخطورة الفادحة لخطوة حكام الإمارات تفرض على الفلسطينيين الرد بشكل استراتيجي على الخطوة، وهذا يستدعي أولا إنهاء الانقسام بشكل سريع، والتوافق على برنامج عمل وطني شامل، لمواجهة الواقع الجديد عبر تفعيل المقاومة ضد الاحتلال، مع ضرورة التوافق أولا على أي أنماط المقاومة التي يتوجب تبنيها لضمان أكبر إجماع وطني شامل.
استنهاض الفعل المقاوم الفلسطيني يمثل السد المنيع الذي ستتحطم عليه كل أشكال التآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته، لأنها ستحرج هؤلاء المتآمرين، وستقلص من فرص تسرب المزيد من الذين يراقبون المشهد وتحول دون انضمامهم. في الوقت ذاته، فإن موقفا فلسطينيا موحدا ومقاوما سيعمل على استنهاض جماهير الأمة وأحرارها ويدفعهم للانخراط في هذا الجهد العظيم، الذي لن يسهم فقط في الحفاظ على البيئة العربية والإسلامية للقضية الفلسطينية، بل سيمهد لانعتاق هذه الأمة من كابوس الاستبداد والطغيان الذي يتجاهل نبض الجماهير وخياراتها.
وعلى صعيد آخر، يجب أن يسدل الستار على الدور الذي يمكن أن يلعبه أي طرف فلسطيني مرتبط بدولة الإمارات، وتحديدا محمد دحلان.
فقد كان من الممكن التعاطي مع دحلان كجزء من دائرة الخلاف والتنوع في المشهد الفلسطيني، لكن عندما يقف في صف نظام يتآمر على شعبنا وقضيته، فإن هذا يعني التعامل معه تماما كما يتم التعامل مع محمد بن زايد ومن هم على شاكلته.
من هنا، فإن الفلسطينيين بإمكانهم أن يحولوا جريمة حكام الإمارات إلى فرصة.