قائد الطوفان قائد الطوفان

عاد له ابنه البكر أشلاء 

والد الشهيد "كنت حامل يعقوب في قلبي و12 كيلو بين يدي"! 

والد الشهيد يعقوب يحمل أشلاؤه
والد الشهيد يعقوب يحمل أشلاؤه

الرسالة نت-أمل حبيب

كان من المفترض أن يرمي نفسه في حضن ابنه "العريس"، لكن يعقوب عاد لحضنه أشلاء، بكفن أبيض يكفي جسد طفلٍ لم يتجاوز السابعة!  
ماذا يحمل بين يديه!، يجيب الوالد "كنت حامل يعقوب في قلبي و12 كيلو بين يدي"! 
تدهشنا إجابات آباء الشهداء عادة، لغتهم تبدو متينة أكثر بعد الغياب، على عكس صورهم التي تظهر لنا ألم الفقد. 
الأب منذر زيدية ظهر لنا في صورة الوداع الأخير كمن يحمل قلب ابنه بين يديه، لم يجد أمامه سوى صورة كاملة لجسد ابنه البكر، احتضنها، بكى أمامنا جميعا، ثم عاد لمنزله بلقب جديد "والد الشهيد"! 


انفجار وصرخة واحدة! 


"أنام باكرًا"، يؤكد منذر "للرسالة"، مساء الإثنين أيقظه صوت انفجار، صرخة واحدة منه ومن زوجته " يعقوب"! 
يدرك كلاهما طريق ابنهما الجهادي، يعقوب هذا الطفل الصغير الذي كبر فجأة وأنهى دراسته المدرسية بتفوق، ومن ثم بكالوريوس مهن طبية، تخصص تصوير طبي، بات ثائرًا يحمي الثغور ليلًا، ويجهز العدة لأي عدوان إسرائيلي جديد على غزة. 
الشاب المهذب، صاحب الوجه البشوش، والهندام الأنيق، لا يدرك من يعرفه أن هذا الشاب "الكيوت" يتحول "وحشًا" في وجه المعتدي على أرضه كما يصفه والده بفخر. 
تجهز يعقوب ابن الــ25 عامًا ليختار شريكة حياته، قرر ذلك بعد تجهيزه لبيته، كان يرفض الارتباط قبل ذلك لأنه لا يحبذ تراكم الديون عليه أو على والده، كان يهون على والدته إلحاحها عليه بالزواج، "بدي أجهز كل اشي من تعبي أنا عشان تفرحي يا ام يعقوب". 
ساعات قليلة كانت تفصل يعقوب عن تلقيه الرد من أهل عروسه للقبول واتمام مراسم الخطبة، وغيرها من الساعات ليأتي خبر قبوله في وظيفة رسمية وعقد عمل ثابت، يعلق والده " لقد رد علينا الله عز وجل بقبوله لابني شهيدًا". 
حديثنا لوالد يعقوب الذي استشهد هو ورفاقه الثلاثة إياد الجدي، ومعتز المبيض، ويحيى المبيض من حي الشجاعية شرق غزة، بعد انفجار خلال الإعداد والتجهيز، تخلله ذكريات استرجعها لطفله الذي كان يراقب موقعًا تدريبًيا لرجال المقاومة من فوق سطح منزلهم لساعات وهو في عمر السادسة.
عندما تفتقده والدته كانت تجده يزحف على بطنه، واضعًا على ظهره عصا المكنسة وكأنها بندقيته، ليحاكي بذلك تدريب المجاهدين. 
***كشاف الهاتف! 
"عشر دقائق بس نشوف الشغل" رددها يعقوب على مسمع والده قبل مغادرته المنزل مساء الإثنين الماضي، كان الرد الاعتيادي "الله يسهل عليك" لم يدرك وقتها أن العشر دقائق ستصبح زمنًا ممتدًا من الغياب!  
عبر أسلاك الهاتف كانت تصلنا تنهيدة الوالد، ثم سرعان ما يتبعها "بالحمد لله لقد أكرمني الله بلقب والد الشهيد، لقد خصني الله"! 
في معظم قصص الآباء مع لحظات استشهاد أبنائهم، نجدهم بحاسة سادسة، يدركون أن هذا الوجع المقبل لهم، وهذا ما شعر به الأب منذر لحظة الانفجار! 
"استعنت بكشاف الجوال للإنارة، الكهرباء مقطوعة عن منطقتنا، أمتار تفصلني عن المكان، صوت الانفجار اخترق قلبي، أدركت أنني فقدت يعقوب" يصف لنا الوالد المشهد الأخير! 
يقترب هذا الأب أكثر من الركام، جثمان واحد حمله الجيران للشهيد إياد الجدي، وبعدها كانت تخرج أشلاء مجهولة الهوية تباعًا، كان الأب ينتظر وجه يعقوب، يحفظ ملامحه الطفولية جيدًا، لقد قص شعره وهذبه تجهيزًا لموافقة العروس صباحًا، كان يسأل "أين يعقوب.. أين ابني؟ 
أمام ثلاجات الموتى، تجمعت أشلاء ابنه، وقف أمامها، كان المشهد مرعبًا، إلا أنه تمالك نفسه وتعرف عليه من قميصه الداخلي الأسود الذي التصق جزء منه بكتفه! 
التقطت صورة واحدة للأب الذي كسر قلبه، حاملًا بين ذراعيه أشلاء ابنه، يحتاج عمرًا فوق عمره ليجبر كسره! 
كسر صمتنا جملة الوالد الأخيرة، كان رجلًا ثابتًا صابرًا حيث قال " كان وزن ابني 70 كيلو جراما، حملت منه 12 كيلوجرام، هذا الوزن أثقل عند الله بعمله وجهاده"، ثم تابع:" كنت ناوي أوزع ألف دعوة لعرس يعقوب، كل الناس حضرت جنازته من غير أي دعوة واحدة". 
قبل أن نغلق سماعة الهاتف، طلب منا الحديث مع زوجته أم يعقوب، مرددًا: "راح يعجبكم كلامها، أم صابرة"! 
يدرك الفلسطيني أن الثبات والرضا هو خياره الوحيد أمام كل هذا القهر والفقد معًا، بان ذلك جليًا خلال حديثنا لعائلة زيدية، والتي أعطتنا والدة يعقوب خلاله درسًا لا يمكن أن تنسى مفرداته، حيث أخبرتنا: "كنت حابة أفرح بابني وأشوفه عريس(...) أحيانًا لما كنت أخاف عليه أحكيله "فيه غيرك شباب بتجاهد خليني أفرح فيك"، بعدين برجع أدعيله الله ينصره ويثبته". 
ختمت أم الشهيد حديثها "للرسالة" بقولٍ حصري تعرفه أم فلسطينية ودعت ابنها للتو:" فخورة إني أم شهيد، فخورة بيعقوب، رفع شأننا في الدنيا وربنا رزقني الصبر ووضع الطمأنينة في قلبي ليوم لقائي بابني".

البث المباشر