لم نشهد في إعلامنا الفلسطيني تخصيص نشرات إخبارية خاصة بالوباء يقدّمها أطباء مؤهلون في الصحافة الطبية أو باحثون بالأمراض الجرثومية لإعطائنا المعلومة الدقيقة عن مراحل تطوّر فيروس كورونا وأثره على الصحة، وهي على نحو ما مثال جيد لما يمكن أن تقوم به الصّحافة المتخصّصة زمن الأزمات من تفسير وإنارة وإعطاء الخلفية المعرفية الضرورية للمواطن حتى يفهم بنفسه سياقات التعامل مع الأزمة برشد على مختلف القطاعات. كذلك لم نلحظ تقارير تفسيرية وبيانات وفيديوهات تحرّي عن المضامين الزائفة الرائجة عبر منصات الميديا الاجتماعيّة كالفيديوهات المنتشرة لأطباء عاملين بمستشفيات أوروبية ويشاركها المستخدمون على أنها أحداث واقعة في فلسطين زمن الكورونا.
تعتمد الصحافة الرقمية الفلسطينية في أغلب الأحيان على المضامين النصيّة، وتفتقر إلى الابتكار في مضامينها الإخباريّة بسبب التزام غرف الأخبار في المؤسسات الإعلامية بالسياسات التحريرية التي تضعها وزارة الإعلام عبر إرشادات تمثّل عائقًا أمام الابتكار التحريري، فالصحافة الجيّدة تحتاج إلى مؤسّسات تؤمن بالحوار مع الجمهور. زد على ذلك أنها لم تزل عاجزة عن تطوير الأشكال الصحفية الجديدة (صحافة الجودة)، على غرار الاستقصاء والتحقيقات والصّحافة التفسيريّة وصحافة التحرّي في إطار ما يسمى التحوّل الرقمي، وذلك بسبب غياب الحريات وسيطرة السلطة السياسية على الإعلام، والتي لا تريد إصلاحه حتى لا يقوم بدوره بالرقابة عليها.
والنتيجة، وجب على السياسيين الاهتمام بإصلاح وإدارة ملف الإعلام في عصر الميديا الجديدة عبر دعم المؤسسات الإعلاميّة كي تقدّم مواد ذات مصداقيّة للمواطنين، وتساهم في مكافحة الأخبار الكاذبة Fake News التي تروّج الإشاعات والدعاية في كثيرٍ من الأحيان عمدا وتصّورُ على أنّها وقائع تهدف إلى نشر البلبلة وإثارة مشاعر العنف والكراهيّة، وهو ما شكّلَ خطرًا حقيقيا على الجهود المحليّة في محاصرة تفشي المرض وضرب جهود الوقاية والسلامة المطلوبة.
ختامًا، وفي سياق البيئة الجديدة للاتصال أضحت المعلومات تنتشر بكثافة دون مصدرٍ حقيقي لها بواسطة صحافة المواطن، الأمر الذي جعل وسائل الإعلام الكلاسيكية تدقّق من جديد وتتثبت من صحة ومصداقيّة المضامين المنتشرة عبر طاقهما المهني. وهو ما أحيا الدور الأصيل لوسائل الإعلام التقليديّة وعزز مكانتها، لأنّها أصبحت بديل الأخبار الكاذبة التي تنتشر عبر الميديا الاجتماعية زمن الكورونا.