الرسالة نت- عبد الحميد حمدونة
أصابتهم الفرحة كالطفل الذي حصل على مصروفه اليومي، عندما سمعوا أن في جدولهم الليلي في آخر يوم يمكثون فيه بغزة زيارة مفاجئة للمناطق المتاخمة للحدود الفلسطينية الصهيونية.
الجزائريون المتضامنون الأربعة الذين جاءوا إلى غزة عبر قافلة "شريان الحياة5" حمدوا الله كثيرا بعد تأكدهم من مقابلة المرابطين على الثغور.
وفي الطريق شمال غرب غزة يتهامس أعضاء الوفد، بلكنتهم الجزائرية " لست مصدقا نفسي سوف أقابل "المرابطين"، وقائدهم يجلس في الأمام بجانب السائق ويتمتم ومن ثم يقول متسائلا:" إحنا مطولين؟"، فيرد عليه السائق " كدنا نصل!".
وصلت الحافلة السوداء أخيرا عند ثغور المرابطين شمال غرب غزة، لم ينتظر الجزائريون وقوف الحافلة حتى قفزوا منها ليجدوا أنفسهم ساجدين لله تعالي شكرا وعرفانا أن قدر لهم رؤية المجاهدين الغزيين ومصافحتهم.
يقول الشيخ صالح وهو متضامن جزائري :"والله نحتقر أنفسنا عندما نتعرف على حقيقة الحياة، والحياة الحق هي التي يكون فيها الإنسان وقفا لله تعالي أمثال هؤلاء المرابطين".
قطع كلامه مع "الرسالة نت" ولم ينتظر كثيرا فهرول نحو إحدى المرابطين وعانقه معانقة شديدة، وهو يبكي ويتحدث بكلمات تخللها شهيق البكاء:" تركناكم وحدكم... سامحونا"، وسكت صالح.
ترجل باقي الجزائريون من الحافلة وعانقوا المرابطين بحرارة، وهمّوا بتقبيل أرجلهم لولا أن المجاهدين رفضوا ذلك واكتفى المرابطون بالقول:" مجيئكم إلى غزة لنصرتها هو جهاد بعينه".
ينظر المتضامنون الجزائريون إلى المجاهدين نظرة الحاسد وقد ارتدوا لثامهم وامتشقوا سلاحهم وحملوا أرواحهم على أكفهم، وهم يقفون بعزة ينتظرون أي تقدم لقوات الاحتلال كي ينالوا منه وهم أكثر إصرارا بعد العدوان الأخير على غزة.
تجولوا بين نقاط الرباط، وصاح الجزائري "سليم" بصوت مرتفع " أسدود.. أسدود"، لم يفهم أحد لماذا جاءت مدينة أسدود على باله في هذا الوقت إلا بعد أن شرح المتضامن، بالقول:" كنت في قافلة أسطول الحرية الأخير على متن السفينة واعتدى علينا الجبناء واستشهد وأصيب منا الكثير، واقتادنا الصهاينة إلى ميناء اسدود "- وأشار بأصبعه صوب الميناء -، صمت قليلا ثم قال:" ورحلونا قسرا إلى دولنا منها ".
انبرى جزائريٌ يدعى "عنتر" بعيدا واحتضن المرابط مرة أخرى وأخرج من حقيبته كيسا وأعطاه إياه وهو يتبسم، سأله الشيخ صالح ما هذا؟، فأجاب الجزائري:" هذه وجبة عشائي خبأتُها وحرمت نفسي منها كي أطعمها للمجاهدين".
وقف المتضامنون في دائرة مع المرابطين في نقطة رباط متقدمة، وهم ينظرون إلى السماء متسائلين " أين الطائرات؟، نسمع صوتا ولا نرى شيئا يحلق!"، فجاءت الإجابة من مسئول المجموعة (أبو أحمد) "الصوت الذي تسمعوه لطائرات الاستطلاع الصهيونية"، وقطع حديثه إشارة عبر جهاز اللاسلكي الذي يعلقه على صدره مفادها (على الجميع أخذ الحيطة والحذر لوجود طيران استطلاع مكثف في الأجواء)، وتابع أبو أحمد " تلك " الزنانة" أخطر علينا من الطائرات الأخرى، فهي لا تفارق أجواء القطاع أبدا".
وأثناء تجول المتضامنون برفقة أبو أحمد" بين بنايات كانت تعتليها القوات الخاصة الصهيونية، صاح متضامن " أين هم؟، أريد قتلهم، لقد قتلوا إخواني الفلسطينيين"، فهدأ أبو أحمد من روعه وقال له:" إنك لا تراهم إلا في الدبابات والطائرات، إنهم جبناء بالفعل".
ومنذ العدوان الأخير على قطاع غزة ، كان هناك شغف شعبي عربي لزيارة غزة، والالتقاء بالمقاومة الفلسطينية ليشدوا على أياديها ويعززوا من صمودها وثباتها.
وسبق أن التقى متضامنون عرب وأجانب جاءوا إلى غزة على متن سفن وقوافل كسر الحصار برجال المقاومة على اختلاف أطيافهم، وعبروا عن بالغ سعادتهم لمقابلة هؤلاء المجاهدين الذين صمدوا لـ 23 يوما في وجه آلة البطش الصهيونية.
وقبل انتهاء الرحلة الشاقة التي لن ينساها أعضاء قام أعضاء الوفد الجزائري بحمل بنادق الكلاشنكوف وبدءوا بتقبيلها وبرفعها عاليا مرددين:" بهذه ننتصر.. بهذه نحرر أقصانا".
وعاد الجزائريون أدراجهم إلى الحافلة وهم محدقين بالمرابطين باكين، قائلين بصوت مرتفع:" ليتنا نبقى معكم.. ليتنا نبقى معكم".