العدسة ذاتها التي شهدت معه جرائم المحتل الاسرائيلي) ووثقتها خلال العدوان المتكرر على غزة، كانت رفيقة محمد في مواجهة عدو غير مرئي هذه المرة!
لم يكن على المصور محمد أسعد تعقيم يديه وملابسه فقط، بل فعل ذلك، بعناية فائقة، لعدسته ومعدات كاميراته قبل الخروج للميدان لتغطية الإجراءات الوقائية لمواجهة فايروس كورونا!
محمد الذي كان يتابع أخبار تفشي الوباء حول العالم، شعر بأنه قد يمسي يومًا ما جزءًا من هذه المعركة!
كل شيء في غزة استثنائي حتى عمل المصورين الصحفيين الذين باتوا هم الحدث عندما استهدفتهم رصاصات المحتل، واليوم تحولوا لجنود معرضين لخطر جديد، لكن الواجب يناديهم!
الاستعداد للمعركة!
محمد أسعد مصور صحفي يعمل لدى وكالة الصحافة الفلسطينية في غزة يقول: "كنا نتابع العالم الخارجي كيف يتعامل مع إجراءات الوقاية من كورونا، لاسيما خلال العمل الصحفي"، وتابع: "شعرت بأني ممكن أكون ضمن جنود التصوير في هذه المعركة بالتزامن مع توزيع بعض الملابس الخاصة بالتغطية.
كان الاطمئنان سيد الموقف بالنسبة لمحمد بأنه قد لا يحتاج لهذه الملابس، فكلما فتح باب خزانته ولمح قناع الوجه وغطاء الجسد عاد ليغلقها لضبط الجهات الأمنية والطبية وهو يتساءل هل سأستخدمه؟
تباعًا كانت الأخبار الأولية ترد غرفة التحرير بإصابة عائلة من مخيم المغازي وسط قطاع غزة، وهنا أدرك المصور محمد أنه لابد من الاستعداد.
يشبه الاستعداد لأي تغطية صحفية -إلى حد كبير- لأي اجتياح إسرائيلي، أخبرنا بذلك محمد، وقال: "نحن المصورين لنا تجارب كثيرة في تغطية الأحداث، ولكن هذه المرة ندخل معركة جديدة مع عدو خفي، كان لابد من الاستعداد مع أخذ الاحتياطات".
رغم كل الضغوط التي أخبرنا بها محمد والتي تشمل قلق الأهل من نزوله للميدان وتعرضه للإصابة بالفايروس إلا أنه أكد "للرسالة" بأنه تقع على عاتقه مهمة وطنية وتوعوية، لاسيما أن المحتل يضيق الخناق على غزة بمنع ادخال المستلزمات الطبية الخاصة بمواجهة الفايروس مما يستدعي منهم كمصورين نقل الصورة للعالم لكشف هذا الإجرام.
لم ينس المصور الصحافي ذكر بعض المواقف التي تعرض لها خلال نزوله للميدان لالتقاط الصور ومنها كما قال: "كان الخطر الأكبر باقترابنا من المختبرات الطبية الخاصة بفحوصات كورونا، واحتكاكنا بالطواقم الطبية، لكنه يبقى واجبا وطنيا".
عدسة وخلية نحل!
كمامة طبية تخفي نصف وجهه، وكاميرا تدلت من عنقه، وميدان معركة جديد يخوضها المصور خالد مهنا مسؤول قسم التصوير في المكتب الإعلامي للشرطة الفلسطينية.
منذ اللحظة الأولى لإعلان حالة الطوارئ تم استنفاز كافة قوى الشرطة وكانت على رأسها العين الثالثة لخالد!
يقول عن تجربته في توثيق حالة الطوارئ:" تم تجهيز كافة طواقم التصوير للانتشار لتغطية عمل الشرطة لتنفيذ خطط الطوارئ"، وأضاف: "انطلقنا في شوارع غزة نوثق حالة الاغلاق العام وحواجز الشرطة المنتشرة في المحافظات".
المصور الصحفي هذا الجندي المجهول في معركة مواجهة كورونا رافق طواقم وزارة الداخلية مواصلًا الليل بالنهار منذ الأسبوع الأول لتفشي الوباء داخل القطاع.
يدرك خالد أن رسالته أكبر من أي خوف قد يتسلل إليه من انتقال العدوى خلال عمله، موضحًا
بأن معظم رجال الشرطة قد غادروا منازلهم وتركوا أهلهم وأحبابهم لصد هذا الخطر.
وقال: "لم ننم لمدة ٧٢ ساعة متواصلة في بداية الأمر(...) يعمل الجميع كخلية نحل، من خلال عملي رافقت خلية الازمة التي كونها جهاز الشرطة بقيادة مدير الشرطة محمود صلاح".
لقطات مختلفة وثقتها عدسة خالد خلال اجتماعات الأجهزة الأمنية لرسم خطط فصل المحافظات ومتابعة الضباط المنتشرين في الشوارع.
"كنت أتنقل بدراجة نارية، صادفت ضباطا يقطعون مسافات طويلة مشيا على الأقدام حتى يصلوا لمكان عملهم، نظرا لعدم توفر المواصلات واغلاق بعض الطرق".
رصدت كاميرا خالد مدى الارهاق الذي واجهه هؤلاء الجنود الذين رفض الكثير منهم تبديل فترات عملهم، حرصًا على أداء واجبهم على أكمل وجه.
صورة محفورة في ذاكرة غزة لمحمد وخالد وزملائهما أصحاب العين الثالثة الذين يحملون هم الوطن دون الخوف من أي خطر يهدد صحتهم، فلا بد للصورة أن تترك رسالتها والأثر!