لنكن أكثر واقعية مما نحن فيه، ونبتعد عن مهاترات البعض ممن لا يروق لهم الوصول إلى تفاهمات حول وقف البالونات تجاه الغلاف، دون تفهمهم لموقف القطاع الآخذ بالتدهور يوماً بعد يوم.
يبدو أن الكثير من أولئك ليس لديهم حد المعرفة بمفهوم الحصار، وان اختلفت الجزئيات البسيطة في هذا المصطلح، يبقى هناك عوامل أو محددات تُطرح تحت هذا المفهوم.
الحصار بمفهومه السياسي هو فرض الإغلاق التام براً وبحراً وجواً، ويخضع لقرارات دولية، تسمح للعدو باتباع هذه السياسة كنوع من العقاب الجماعي دون أي مبرر أو اعتبار لأي حالات خاصة، كالأمراض، والأوبئة، والجوع، وانعدام الأمن المجتمعي.
بالعودة إلى المفهوم السابق، نطرح تساؤلاً مهماً: هل ما تم التوافق عليه يتنافى تماماً مع مفهوم الحصار؟
حرصت المقاومة ومنذ البدء في فرض معادلاتها الأمنية اتخاذ كافة أشكال المقاومة، منها التدخل الشعبي، من خلال المشاركة في مسيرات العودة وكسر الحصار، واطلاق البالونات الحارقة، وفعاليات الإرباك الليلي على حدود أراضينا المحتلة عام 1948، وغيرها من أدوات ووسائل المقاومة الشعبية.
هذه الأدوات والتي دخلت مسرح العمليات ألزمت المجتمع الدولي بالوقوف حول قراره الداعم للاحتلال بمحاصرة القطاع منذ عام 2006، بل وأجبرت الأمم المتحدة على التفاوض مع المقاومة في محطة تاريخية سجلت تقدماً في تاريخ الصراع لصالح المقاومة.
كسر الحصار أو التخفيف من إجراءات الاحتلال تجاه غزة، او تقديم تسهيلات، جميعها جاءت تحت مفهوم كسر الحصار، وقد حققت أبعاداً سياسية وأمنية كمدخل حقيقي لكسر الحصار كاملاً عن القطاع.
حالة الإغلاق التام على سكان القطاع لم تعد مفروضة كما يظن البعض، فقد بدأ العدو الصهيوني الاستجابة وبقوة لشروط المقاومة، منها عودة تدفق الأموال لقطاع غزة، وإدخال شاحنات الوقود لمحطة توليد الكهرباء، وفتح معبر كرم أبو سالم لتلبية احتياجات القطاع، وتوسيع مساحة الصيد 15 ميلاً، ومساعدات نقدية شهرية لما يزيد عن 170 ألف أسرة فلسطينية فقيرة، وتزويد غزة بمشاريع صناعية، ومشاريع بنية تحتية، وإدخال كافة ما يلزم وزارة الصحة لمكافحة وباء كورونا، وغيرها مما لم يعلن عنه في إطار التفاهمات المشروطة.
وللإجابة على التساؤل السابق، تكمن الإجابة في تساؤل جديد، مما سبق من بعض بنود التفاهمات، ألم تحقق المقاومة خرقاً في جدار كسر الحصار كاملاً؟
باعتقادي أن المقاومة كسرت الحصار بنسبة كبيرة، بما يتواءم مع حساسية موقف القطاع أمام جائحة كورونا، والمتغيرات الدولية التي تصب لصالح الاحتلال. استطاعت المقاومة بفضل الله ثم بصمود شعبنا الفلسطيني أن تصل إلى إرغام العدو أن يبتلع منجله بيده. هنا يكمن التغيير الفعلي والأساسي في دور كافة أبناء شعبنا الفلسطيني الذي تحمل مسؤولية رفع الحصار أن يبقى صامداً صلباً خلف مطرقة الزناد التي ترعد العدو وتجعله دوماً يترقب متغيرات الموقف الفلسطيني تباعاً لمتغيرات الإقليم والمتغيرات الدولية بوجه عام.