تنتشر الميكروبات الدقيقة على معظم الأسطح التي نلمسها يوميا. وفي غالب الأحيان تتجمع هذه الميكروبات لتصبح مكدسة على تلك الأسطح وتصعب إزالتها. كما تكثر تلك الميكروبات المُمرِضة على أسطح المعدات والأجهزة الطبية.
فعلى سبيل المثال، تعتبر العدوى البكتيرية سببا رئيسيا في فشل العديد من غرسات الأسنان. لذا يبحث العلماء دوما عن مواد جديدة يمكنها منع العدوى ومقاومة ارتكاز هذه الميكروبات على أسطحها.
حرير العنكبوت.. مصائد طبيعية
طور باحثون في جامعة بايرويت (University of Bayreuth) بألمانيا مواد حيوية جديدة يمكنها منع العدوى والمساعدة في التعافي والشفاء.
إذ استطاعت دراسة حديثة نشرت في دورية ماتيريالز توداي (Materials Today) يوم 17 أغسطس/آب الماضي، الاستفادة من خصائص تلك المواد -وثيقة الصلة بالطب الحيوي- لمنع الميكروبات من الارتكاز والانتشار على أسطح الأجهزة الطبية.
تعتمد هذه المواد المُطَورة ذات البنية النانوية على بروتينات حرير العنكبوت. فإضافة لقدرتها على منع مستعمرات البكتيريا والفطريات من التكوّن، فإنها تساعد أيضا على تجديد الأنسجة البشرية بشكل استباقي، مما يجعلها نموذجا مثاليا يمكننا استخدامه في الغرسات الطبية وضمادات الجروح والأطراف الصناعية والعدسات اللاصقة.
تكدسات ميكروبية مُمرِضة
تعتبر الإصابة بالعدوى من الأمور المستهان بها عالميا. فعلى سبيل المثال، تنتشر العديد من الميكروبات على أسطح الأدوات المستخدمة في العلاج الطبي، وكذلك على الأسطح المحيطة بنا بشكل عام.
وبمرور الوقت، تُكَوِّن هذه الكائنات المجهرية تكدسات معقدة وسميكة وغير مرئية في غالب الأحيان، تعرف باسم الرقائق الحيوية أو البيوفيلم.
إذ لا يمكن التخلص من هذه الرقائق الحيوية بسهولة حتى وإن استخدمنا مواد التنظيف. وغالبا ما تكون هذه الميكروبات مقاومة للمضادات الحيوية ومضادات الفطريات.
ومن ثم تهاجر تلك البكتيريا والفطريات إلى الأنسجة الحيوية المجاورة لها، مما يؤثر في عملية الشفاء أو يتسبب في إحداث عدوى مميتة.
باتباع نهج بحثي جديد، وجد علماء جامعة بايرويت حلا لهذه المشكلة باستخدام بروتينات حرير العنكبوت المُنتَجة بطريقة حيوية، والتي طور العلماء منها مادة تمنع ارتكاز الميكروبات المُمرِضة على الأسطح.
وعند اختبار المادة المُطَوَّرة على البكتيريا العقدية (Streptococci) -المعروفة بمقاومتها للعديد من مضادات البكتيريا- لاحظ العلماء عدم قدرة هذه البكتيريا على التشبث بسطح هذه المادة.
وبالتالي فقد يحد ذلك من تكون رقائق الميكروبات المجهرية على أسطح الأدوات الطبية والمعدات الرياضية والعدسات اللاصقة والأطراف الصناعية وغيرها من الأسطح التي نلامسها بشكل متكرر في حياتنا اليومية.
تطبيقات واعدة
ليس هذا فحسب، بل إن هذه المادة قد صُممت بشكل يساعد على ارتكاز وانتشار خلايا الأنسجة البشرية على سطحها. لذا فمن الممكن استخدامها كضمادات للجروح وفي عمليات استعاضة الجلد وكذلك في الغرسات الطبية.
وعلى النقيض من المواد الأخرى التي استخدمت لتجديد الأنسجة، فإن هذه المادة المُطورة تقضي على خطر العدوى بشكل جوهري.
ومن ثم يمكن استخدامها كأداة استباقية لتجديد الأنسجة التالفة، مما سيفتح آفاقا واعدة لاستخدامها كطلاءات مقاومة للبكتيريا في العديد من التقنيات والأجهزة الطبية في المستقبل القريب.
وتعقيبا على نتائج هذه الدراسة، صرح توماس شيبل -رئيس قسم المواد الحيوية في جامعة بايرويت وقائد فريق الدراسة- في البيان الصحفي المنشور على موقع الجامعة قائلا "لا يرتكز تأثير هذه المادة المُطَوَّرة على إحداث سمية أو أي آثار مدمرة للخلايا البشرية".
وأضاف "عوضا عن ذلك، فإن تركيبها البنيوي النانومتري الدقيق جعل منها أسطحا طاردة للميكروبات. لذا فإنه من الصعب أن تلتصق المواد المُمرِضة بهذه الأسطح النانوية".
كما يضيف الدكتور غريغور لانج الباحث الأول المشارك أن "الطبيعة ما زالت مصدر إلهام لتصميم مواد متطورة للغاية. فحرير العنكبوت الطبيعي يعتبر مادة مقاومة للفاشيات الميكروبية. لذا فإن إعادة إنتاج هذه الخصائص لهو سبق علمي".
المصدر : الصحافة الأميركية