انتشرت الكثير من الدعابات والنكت التي تعكس واقعًا يُعاش في زمن الحجر الصحي، لاسيما بعد ملاحظة أثره الظاهر على العلاقات الزوجية، وكان آخرها ما انتشر على صفحات الفيس بوك لسيدة تسأل صديقتها:" كيف الحجر المنزلي معك؟، فأجابتها: "زي العدة بس المرحوم عندي".
"ترتيب لدرجة الهوس"
حالة من التوتر نشبت في منزل أم منذر شرق مدينة غزة، فزوجها لديه هوس الترتيب والنظافة، وجلوسه لساعات مع أطفاله الأربعة وباب مغلق لــ 24 ساعة ولّد المشكلات من " قلم رصاص"!
بداية المشاكل بدأت بين الزوجين في الأسبوع الأول من بداية الحجر المنزلي في قطاع غزة، نهاية آب الماضي، وتقول الزوجة:" قبل كورونا، كان يعمل زوجي طيلة النهار في أعمال البناء ولا يعود إلا مع أذان المغرب، الآن الحياة في بيتي تحولت لكابوس مع جلوسه الدائم بيننا".
أبناء السيدة الأربعة يحاولون كسر روتين يومهم، باللعب والتلوين، صغيرها ترك خلفه ورشة ألوان وأقلام مفروشة على الأرض، وما إن دخل والده غرفة المعيشة حتى استشاط غضبًا وفرغ غضبه بتكسير الأقلام بين يديه!
مؤامرة كونية!
"ربة منزل وعمل عن بعد وحجر منزلي وزوجي.. حتمًا هذه مؤامرة كونية" وصلتنا ضحكات سناء 34 عامًا ممزوجة مع سخريتها من حالة الحجر التي فرضت عليها منذ حوالي أسبوعين، وتقول:" الحمد لله في فترة الحجر اقتربت أكثر من عائلتي وأطفالي، لكن العمل عن بعد وطلبات الزوج والأبناء ولدت لدي ضغطًا كبيرًا لاسيما أن عملي بحاجة للكثير من التركيز".
تشعر سناء أنها كمكوك يحوم في أرجاء المنزل ليل نهار، وما ان تفرغ حتى تبدأ اتصالات عملها لإتمام بعض المهام، وهنا يردد الزوج:" طول نهارك مركزة بشغلك ومقصرة فيا وببيتك"!
توقيت النوم، وقت الطعام، كل تفاصيل الحياة اليومية باتت شغل زوجها الشاغل الذي يتدخل به، مما أدى إلى عصبية مفرطة لم تعد تفارقها منذ تفشي وباء كورونا في غزة نهاية آب الماضي.
لم يكن الأمر مبالغًا فيه بوصول بعض الخلافات للخصام لأيام، الزوج في غرفة والزوجة في غرفة كذلك، لا نستطع في بعض الأحيان تسميته بحجر صحي، لم يعد صحيًا وقد يؤدي في عشية وضحاها إلى التفكير بالطلاق!
كان تصلنا مؤشرات من الصين ودول أوروبية أخرى قبل أن تخوض غزة تجربة الحجر، حيث كشفت بيانات صينية عن ارتفاع معدل الطلاق في مدينة ووهان بعد خضوع المنطقة لحجر صحي إجباري، بسبب تفشي فيروس كورونا.
وبسبب الإجهاد في العمل، وصعوبة التوفيق بين الأسرة والعمل زادت في أميركا نسبة الطلاق لدى الأطباء والممرضين.
صراخ منتصف الليل!
لم تكن الزوجات وحدهن من واجهن مشكلات من جلوس أزواجهن معهم في الحجر، يبدو أن للطرف آخر مشكلات من نوع آخر!
عمار يسكن غرب المدينة، لم يتقبل نظام الحجر والمكوث مع زوجته وطفليه حتى الآن ويخبرنا بعد تنهيدة:" كنت أهرب من البيت إلى القهوة مساء مع أصدقائي، الآن لا مجال للهرب، أشعر أنني سجين"
ويشكو عمار مراقبة زوجته لاتصالاته، وجلوسه على جواله لساعات خلال تصفحه مواقع التواصل الاجتماعي، ويخبرنا: "حتى ضحكاتي تسألني عنها " مع مين بتضحك، وعلى شو؟"
زوجة هذا المحاسب الذي يعمل في احدى المحلات التجارية لا تعطيه مجال لمساحة شخصية تمارس حبها واهتمامها به ولكنها في نفس الوقت تطبق على أنفاسه كما يصف لنا.
الآن لا عمل ولا لقاءات أصدقاء تلهي، ولا مكان لهرب عمار لتخفيف غضبه من زوجته، الأزواج بحاجة لفضاء للتنفيس!
نصائح ووصايا
اتصال هاتفي كان لازمًا علينا مع الأخصائية الاجتماعية عروب جملة والتي أوصلت من خلال "الرسالة" بعض النصائح والوصايا لكلا الزوجين خلال فترة الحجر المنزلي.
وبدأت حديثها بالقول:" أحيانا وخلال الحجر المنزلي الذي فرضه وباء كورونا المستجد يتقرب الزوجين من بعضهما، ويجدوا وقتًا كبيرًا للحديث والتفاهم لاسيما بجمعة العائلة، بعد أن كان الوقت ضائعًا بين المهام الخارجية والعمل ومدارس الأبناء".
ولكن الجلوس في المنزل مع هذا التقارب بين الأزواج، وانقطاع العلاقات عن الناس خارج البيت دون عمل أو ترفيه، يؤدي إلى ضغط نفسي هائل وتوتر كما أوضحت الأخصائية عروب.
وتقول:" كلا الزوجين بحاجة لخصوصية ومساحة خاصة لكل منهما، حيث تعطي مساحة للراحة النفسية وهدوء للروح بدون تدخل كبير من أحد الأزواج في الآخر"، وتابعت:" من المهم استغلال وقت الحجر بمساحات من الحوار الجميل القريب من القلب".
وأكدت الأخصائية الاجتماعية أن كثرة المشاكل تؤدي لحدوث حالة من العنف، ونشوب توترات عالية، كل ما على الأزواج فعله هو ضبط هذه التوترات بقدر عال من الوعي، واستثمار الوقت، منبهة إلى أن الغضب سيؤدي فقط إلى تحول الزوجين لمرضى نفسيين.
ودعت الأزواج إلى الهدوء والسكينة من خلال استغلال هذا القرب، بالحديث وجلسات فضفضة، والمشاركة بأنشطة منزلية مع الأبناء، متسائلة " لماذا لا نخترع أجواء جميلة من هذه التجربة، دعي زوجك يساعدك في صنع الحلويات، ودعها تشتكي لك وتفرغ همها".