يعتبر التصنيع العسكري ملاذ المقاومة، وأحد الدعائم الأساسية لاستمرارها وبقائها صامدة أمام عنجهية الاحتلال وقسوة الحصار وقطع الإمداد، وطالما أحدث فرقا على صعيد الكفاءة والاستمرارية والقدرة القتالية للمجاهدين.
ولعل العلامة الفارقة في التصنيع العسكري، نقص المواد الخام في ظل تشديد الحصار وقطع خطوط الإمداد، وهو ما استطاعت المقاومة في غزة التغلب عليه عبر ابتكار أساليب بالبحث والتنقيب عن عتاد قديم وإعادة تصنيعه.
وكشف القسام مساء الأحد، عبر برنامج "ما خفي أعظم" عبر قناة الجزيرة، عن إعادة استخراج مئات الصواريخ من سفينة حربية بريطانية غارقة قبالة شواطئ دير البلح وسط قطاع غزة منذ الحرب العالمية الأولى، وإعادة تصنيعها مجددا في ظل نقص الإمكانيات، كما واستخرج أنابيب المياه المعدنية من المستوطنات المحررة في غزة وإعادة استخدامها في الصناعات العسكرية.
** سباق نحو التطوّر
بدوره، قال المختص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة، إن المقاومة الفلسطينية اعتمدت في تسليحها على الجهد الذاتي والمساندة من الدول الداعمة، "فأسلحتها وعتادها وصواريخها تصنيع ذاتي مبني على استراتيجية مدروسة في بناء ومراكمة القوة العسكرية وتطويرها في مواجهة قوة وترسانة العدو الكبيرة وغير القابلة للمقارنة".
وأوضح أبو زبيدة أن حاجة المقاومة لوسائل قتالية تمكنها من التأثير تجعلها في سباق دائم نحو الإبداع والتطوير في ظل تقلص فرص الامداد الخارجي لها، "والحصار المشدد المفروض على القطاع، يجعل من التصنيع الذاتي في أولويات جهدها وعملها لمواجهة أي عدوان عليها".
وأضاف: "نحن أمام نظام عسكري أكثر من نظام مقاومة، نظام متمايز بمكوناته كلها، نظام قيادة وسيطرة، أداء عملياتي فاعل لجميع التخصصات، إدارة عمليات، كل مكونات العمليات المساندة موجودة، الدعم اللوجستي والهندسي والالكتروني والاستخباراتي".
والمتتبع لتاريخ المقاومة وتطورها، يجد أن التصنيع العسكري للمقاومة كان حاضرا في كل محطات المقاومة، بدءا من التصدي لآليات وأرتال العدو التي كانت تتغول على شعبنا في التجمعات السكانية، مرورا بعمليات أسر الجنود -حيث كانت عملية الوهم المتبدد مثال عملي على كفاءة الصناعات العسكرية القسامية- وصولا إلى المقذوفات الصاروخية التي بدأت بمدى بضعة كيلومترات حتى وصلت إلى قصف تل أبيب والقدس وكل فلسطين المحتلة.
من جهته، يرى الكاتب خالد النجار أن المقاومة تفاجئنا بإبداعاتها يوما بعد الآخر، "وتصنع من الموت حياة، ومن الأزمة فرصة، ومن المستحيل حقيقة".
وقال نجار إن ما أعلن عنه القسام في "ما خفي أعظم"، يرفع مناعتنا لمواجهة جائحة العدو التي حاصرت غزة وخنقت مقاومتها، فغزة تمتلك من المناعة الدفاعية ما يجعلها تبحث عن وسائل الموت وتدمير قوى الاحتلال في غمار البحر والبر، وتخوض بجندها مقاومة المستحيل والمجهول.
ولفت إلى أن وصول المقاومة إلى سفينتين حربيتين غارقتين على سواحل غزة تعود ملكيتهما إلى الأسطول البريطاني في الحرب العالمية الأولى، وتحول بقاياها إلى جحيم يلاحق العدو، دليل على تجسيد المشهد في صورة الانتصار على الحصار.
ولن ينسى الاحتلال تاريخ السادس والعشرين من أكتوبر عام 2001، الذي دكّ صاروخ القسام الأول في تاريخ المقاومة الفلسطينية عمق مغتصبة "سيديروت"، في خطوة فاجأت قيادة العدو في ذلك الوقت، وليكون هذا الصاروخ بداية حقبة من تصنيع المقاومة التي لم تنتهي.
ولعل الرسالة التي تريد المقاومة ايصالها من التصنيع العسكري، أنه في ظل الهرولة للتطبيع مع العدو تعتبر المقاومة أمل الأمة والمشروع الذي يعوّل عليه شعبنا ويُجمع عليه ويلتف حوله، كما هي رسالة قوة وردع للعدو بأن لا جدوى من الحصار والعقاب الجماعي لشعبنا.