قائد الطوفان قائد الطوفان

المولدات البديلة.. أرباح باهظة وسرقة وابتزاز المواطن

المولدات البديلة.. أرباح باهظة وسرقة وابتزاز المواطن
المولدات البديلة.. أرباح باهظة وسرقة وابتزاز المواطن

الرسالة- محمد عطا الله

 في الوقت الذي يستوطن فيه الظلام أغلب مناطق مخيمات قطاع غزة ساعات طويلة نتيجة أزمة الكهرباء، لا تنطفئ أضواء المولدات التجارية التي انتشرت كالنار في الهشيم بكافة مناطق القطاع، كمشاريع تدر أرباحا طائلة، بعد استثمار أزمة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة.

وخلال الأعوام القليلة الماضية أقدم عدد من المستثمرين على شراء مولدات توزيع كهرباء، وتمديد خطوط في الشوارع لإيصال كهرباء المولد للمواطنين مقابل اشتراك 50 شيكل في البداية، وكذلك دفع مبلغ 50 شيكل كحد أدنى من استهلاكه، على أساس احتساب كيلو الكهرباء بسعر 4 شيكل بمختلف مناطق القطاع.

نجح أصحاب تلك المولدات في استثمار أزمة الكهرباء، في ظل غياب دور الجهات الرقابية في بداية انتشار هذه الخدمة، واستغلال حاجة المواطن الذي لا حول له ولا قوة، وابتزازه من خلال رفع سعر كيلو الكهرباء البديلة.

 عشوائية واستغلال

ومنذ بداية فبراير من العام الجاري، وبعد تلقي الجهات الحكومية والرقابية للعديد من الشكاوى بسبب استغلال أصحاب المولدات الكهربائية للمواطنين، باشرت الجهات المختصة بالعمل لوضع حد لتغول أصحاب المولدات على المواطنين من خلال منح تراخيص وتنظيم عمل تلك المولدات.

أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، يضعونها بين المنازل ما يشكل خطورة على حياة المواطنين*

ومنذ ذلك الحين هدد أصحاب المولدات بعد تشكيلهم "رابطة أصحاب المولدات" بفصل التيار الكهربائي عن المواطنين ووقف عملهم في حال تم تطبيق أي إجراء حكومي عليهم يتعلق بتنظيم عملهم أو منحهم تراخيص.

ويقول أحد أصحاب المولدات لـ"الرسالة" إن فرض أي ضريبة أو تنظيم أو التدخل في عملنا سيدفعنا من خلال رابطتنا إلى إطفاء المولدات أو زيادة التسعيرة على المواطن نفسه، ليتحمل تكاليف ما تضعه الحكومة علينا.

وتسببت تلك العشوائية في تمديد شبكات المولدات الخاصة بوفاة المواطن محمد وليد الهمص، أواخر شهر يوليو الماضي عقب إصابته بصعقة كهربائية قوية أثناء صيانة أحد خطوط المولدات الكهربائية بمدينة رفح.

ويقول حسام الهمص عم الشاب المتوفى في حديثه لـ"الرسالة" إن ابن شقيقه توفى نتيجة عشوائية المولدات التي لا يوجد عليها رقابة حكومية من الجهات المختصة كما لا تتوفر لديهم أي شروط للسلامة.

ويطالب الهمص بضرورة تنظيم تلك المولدات وإيجاد حلول من شأنها أن توفر للمواطنين الأمان وحمايتهم من تلك الكوابل المنتشرة في الشوارع.

وخلال بحث (الرسالة) منذ أشهر في هذه القضية وجدت أن أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، يضعونها بين المنازل ما يشكل خطورة على حياة المواطنين في حال حدوث أي تماس كهربائي.

والأخطر من ذلك أن أصحاب المولدات يعملون على تمديد خطوط الكهرباء بالقرب من خطوط كهرباء البلدية، مستخدمين الأعمدة الخاصة بشركة الكهرباء، وهو الأمر الذي تسبب في العديد من الحوادث في بعض محافظات غزة، وحادثة الهمص هي الشاهد الأخير على ذلك.

 سرقة كهرباء

ولم تقف التجاوزات عند هذا الحد بل وصل الأمر إلى سرقة كهرباء الشركة وبيعها للمواطنين على أنها كهرباء خاصة، حيث رصدنا شكاوى عديدة من بعض المواطنين في منطقة جباليا شمالي القطاع، وكذلك في مدينة خانيونس جنوبي القطاع، تتحدث عن استغلال أصحاب المولدات التيار الكهربائي الواصل من الشركة وإعادة بيعه للمواطنين من جديد على اعتبار أنه من المولد.

ويؤكد محمد ثابت مدير العلاقات العامة والإعلام بشركة توزيع الكهرباء محافظات غزة، أن طواقم الشركة تمكنت من إيقاف عدد من أصحاب مولدات الكهرباء الذين يستغلون الكهرباء الواصلة من الشركة ويعيدون بيعها للمواطن بسعر مرتفع جدا.

شركة التوزيع : عدد من أصحاب مولدات الكهرباء يعيدون بيع كهرباء الشركة للمواطن بسعر مرتفع جدا.

وأوضح ثابت في حديثه لـ"الرسالة" أن الشركة أبلغت الجهات الحكومية في غزة، وجرى تحويل أصحاب المولدات إلى النيابة العامة لأخذ الإجراءات القانونية بحقهم، مشيرا إلى أن طواقم الشركة تعمل بجهد شخصي دون مساندة من الجهات الحكومية في غزة.

ويقر ثابت بوجود تمديدات كهربائية تابعة للمولدات الخاصة يجري وضعها على شبكات شركة توزيع الكهرباء؛ ما تسبب بحرائق، وإصابات للفنيين العاملين في الشركة؛ بسبب مشاكل في التمديدات وأخطاء فنية يقع فيها أصحاب المولدات.

وبيّن أن الشركة تزيل التمديدات الموضوعة على شبكات الشركة بشكل فوري في حال الكشف عنها، وكذلك يتم ابلاغ الشرطة التي تعمل على رفع قضايا ضد أصحاب التمديدات لدى النيابة العامة.

ويذكر ثابت كذلك أن التمديدات الخاصة بالمولدات غير مطابقة لمعايير السلامة والأمان المعمول بها في تمديدات الكهرباء الكبيرة بحجم تلك المستخدمة في المولدات، مشيرا إلى وجود عدد قليل جداً من أصحاب المولدات ينشؤون خطوط توصيل منفصلة عن خطوط شركة الكهرباء وشبكتها.

ويؤكد أحد العاملين لدى أصحاب المولدات شمال قطاع غزة، أن هناك عدد امن أصحاب المولدات يستغلون كهرباء الشركة لإعادة بيعها للمواطن بسعر مرتفع.

ويوضح أن بعض أصحاب المولدات يلجأون إلى تمديد كوابل كهربائية إلى مناطق أخرى؛ بهدف الاستفادة من جدول الكهرباء، لإعادة بيعها للمواطن كأنها من المولد.

 منافسة واستغلال

واشتكى عدد من المواطنين في قطاع غزة لـ"الرسالة" من استغلال أصحاب المولدات كهرباء الشركة وإعادة بيعها للمواطنين بسعر 4 شواكل، وكذلك تجاوزات لأصحاب المولدات في تمديد الشبكات، وتشكيلها خطرا على حياتهم.

في المقابل، فإن بعض أصحاب المولدات الخاصة وخلال بحث لـ"الرسالة" في منطقة الكتيبة بمدينة خانيونس يبيعون كيلو الكهرباء بسعر لا يتجاوز الـ2 شيكل للمواطنين وبدون فرض رسوم حد أدنى، بخلاف ما يقوم به باقي أصحاب المولدات في مناطق قطاع غزة.

وهناك وصلنا إلى أحد العاملين في تلك المولدات ويدعى أسامة الجعبير، الذي أكد لـ"الرسالة" أن هناك 3 مولدات عائدة لعائلات "زنون والشاعر والفرا" يتنافسون في بيع الكهرباء البديلة للمواطنين بأقل سعر ممكن.

ويوضح الجعبير أن سعر كيلو الكهرباء البديلة كانت تُباع بـ2 شيكل وأصبحت بأقل من ذلك في ظل المنافسة بينهم، مبينا أن البيع بهذا السعر المتواضع يدر لهم أرباحا بسيطة ومتواضعة، لكنها تشجع المواطنين على الاشتراك معهم.

ووفق الجعبير فإن استمرار باقي أصحاب المولدات الخاصة في فرض تسعيرة 4 شواكل للكيلو على المواطنين يعد استغلالا وربحا لأضعاف مضاعفة، بخلاف ما يدعون أن لديهم تكاليف عالية وأرباحهم لا تكاد تذكر من تسعيرة الـ 4 شواكل.

  تحديد وضبط
ويقول المهندس عصام حماد في دراسة تفصيلية أعدها مؤخرا، إن إجمالي تكلفة كيلو الكهرباء على أصحاب المولدات شيكل وإثنان وأربعون أغورة فقط.

ويوضح حماد في منشور له على الفيسبوك، أن دراسته قامت على افتراض أن المستثمر في هذا المولد سيستثمر 2 مليون شيكل ما بين تكلفة المولد وتكلفة انشاء المكان والكوابل والعدادات وخلافه، وأن مدة استثماره تبلغ 3 سنوات وسيحقق ربحا مقداره 20٪ عائد على الاستثمار سنويا، فهو بذلك سيحتاج أن يسترد سنويا ثلث مبلغ الاستثمار و20٪ إضافة عليه، ويبلغ مبلغ الاسترداد الإجمالي 3مليون و200 ألف أي سنوياً يجب أن يسترد مليون و66 ألف شيكل أي نصيب كل كيلووات من هذا المبلغ هو 49 أغورة.

مهندس: إجمالي تكلفة كيلو الكهرباء على أصحاب المولدات 1.42 فقط.

بالإضافة إلى 5 أغورات مصاريف تشغيلية وصيانة وزيت وفلاتر على كل كيلو وات، وبذلك يكون إجمالي تكلفة الكيلو وات أي رأس مال الكيلو لدى أصحاب المولدات هو 1.42 شيكل.

وعلى ضوء ما سبق، فإن سلطة الطاقة في قطاع غزة حددت، الأربعاء، تسعيرة بيع كهرباء المولدات التجارية للمستهلكين، بما لا يزيد عن 2.5 شيكل لكل كيلو وات، اعتباراُ من الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

وجاء قرار سلطة الطاقة "بعد الاطلاع على قانون رقم 12 لسنة 1995 بشأن انشاء سلطة الطاقة الفلسطينية وعلى نظام منح الترخيص لتوليد وتوزيع الطاقة الكهربائية لأغراض التجارة لا سيما المادة رقم 17 منه".

وشدّدت سلطة الطاقة على كافة مالكي ومشغلي المولدات بضرورة الالتزام بتنفيذ الاشتراطات الفنية المنصوص عليها في اللوائح والأنظمة والقرارات والتعليمات الصادرة من جهات الاختصاص في مدة أقصاها 3 شهور.

من ناحيته أكد رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، سلامة معروف، أن التسعيرة التي حددتها سلطة الطاقة لأصحاب المولدات التجارية، لبيع كهرباء المولدات التجارية بغزة، ستكون ملزمة لأصحاب المولدات خاصة وأنها وضعت بعد دراسة كافة الابعاد وأن هناك من يعمل فعلاً وفق هذه التسعيرة، ومنذ بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، سيتم انفاذ هذا القرار عبر جهات الاختصاص الميدانية.

المكتب الاعلامي الحكومي: التسعيرة التي حددتها سلطة الطاقة ستكون ملزمة.

وقال معروف في تصريح صحفي، إنه بدءًا من الأسبوع المقبل ستقوم لجان فنية بزيارة ميدانية لمواقع هذه المولدات لمعاينتها وتسليمهم اخطارات بضرورة تصويب أوضاعهم وفق النظام المُقر، والتزامهم بالتسعيرة المقرة من سلطة الطاقة.

وأضاف: منذ شهور ماضية جرى عمل دؤوب على مستوى سلطة الطاقة والحكم المحلي ووزارة الاقتصاد، وشكلت لجنة فنية لدراسة كل ما يتعلق بهذه المولدات.

وأكد معروف أنهم توصلوا لنظام سمي بنظام المولدات الخاصة، يتحدث عن أكثر من جانب يشمل اجراءات السلامة والجوانب الفنية، إضافة إلى تحديد تعرفة الكهرباء الصادرة عن هذه المولدات.

سلطة الطاقة حددت تسعيرة المولدات التجارية للمستهلكين، بما لا يزيد عن 2.5 شيكل لكل كيلو

وأشار إلى أن النظام يراعي مصلحة أصحاب المولدات ويحقق المصلحة للمواطن وعدم الإضرار به من خلال إجراءات السلامة وتحديد السعر.

وتابع: تواصلنا طويلا مع أصحاب المولدات وكان هناك نقاش كبير معهم طوال الفترة الماضية.

وختم سلامة معروف حديثه، بالقول: هناك فترة ثلاثة شهور لتوثيق الأوضاع القانونية لأصحاب المولدات من حيث اتمام إجراءات الترخيص الخاصة بالمولدات واتمام اشتراطات السلامة الفنية ونهيب بأصحاب المولدات بأن يقوموا بتصويب أوضاعهم.

 ترحيب ورفض

بدوره، رحب المحامي والحقوقي د. صلاح عبد العاطي رئيس هيئة دعم ومناصرة الشعب الفلسطيني "حشد" بقرار سلطة الطاقة في غزة تقنين عمل أصحاب المولدات وتخفيض سعر الكهرباء لقيمة 2.5 شيقل، "رغم أنه جاء متأخرا كونه يمس شريحة كبيرة من المواطنين".

وقال عبد العاطي لـ"الرسالة ": "إن تكلفة انتاج كيلو المولد الحديث تصل 1.5 شيقل والقديم 1.7 شيقل، وتباع للمواطن بجشع واستغلال كبير يجب التوقف عنه".

وأكدّ أن لجوء ما يسمى "رابطة أصحاب المولدات" إلى ابتزاز المواطن وتهديد بقطع الخدمة مرفوض، و"على المواطن أن يحول هذه المولدات إلى كوم حديد عبر مقاطعتها إلى حين الالتزام بالقرار.

وأضاف: "على أصحاب المولدات أن يراعوا المستهلكين والمستفيدين من خلال تحقيق ربح معقول خاصة في ظل مجتمع يتعرض لحصار.

في المقابل أعلن أصحاب المولدات الكهربائية في قطاع غزة، إطفاء مولداتهم لمدة 24 ساعة، تبدأ من الساعة السادسة صباح غد الخميس، وحتى الساعة الـسادسة من صباح يوم الجمعة، اعتراضا على قرار سلطة الطاقة بتحديد سعر الكيلو واط للمستهلك بـ2,5 شيقل.

وأرسلت الرابطة رسائل للمواطنين المشتركين لديها، قالت فيها: "اعتراضاً على قرار سلطة الطاقة، بتحديد سعر البيع، سيتم إطفاء المولدات غداً  لـ 24 ساعة من يوم الخميس الساعة 6 صباحاً وحتى الساعة 6 صباحاً ليوم الجمعة".

وأكد رئيس رابطة أصحاب مولدات وشبكات قطاع غزة، حسام الموسة، أن الرابطة لم تبلغ بأي قرار من جهة رسمية أو غير رسمية، فيما يتعلق بسعر كيلو الكهرباء من المولدات المنتشرة بشوارع القطاع.

وأضاف الموسة في تصريح صحفي " فوجئنا بأن سلطة الطاقة، تفرض تعرفة كيلو الكهرباء، بـ 2.5 شيكل، ونحن لا نعلم من الذي أصدر القرار، لذلك نحن سنتواصل مع سلطة الطاقة خلال الـ 24 ساعة المقبلة.

وقال الموسة: نحن ندعم أي خطوة تخفف عن معاناة المواطن، ونشكر مثل هذه الخطوات، ولكن يجب على سلطة الطاقة تحديد أسعار المدخلات، كما حددت أسعار المخرجات، ونحن مع القانون.

وتابع: نحن نعترض على فرض السياسة، دون تقديم أي شيء، وإذا كان القرار أحادياً من جهة واحدة، سنضطر لإيقاف المولدات.

واستنتاجًا مما سبق، فإن حجم الضرر الذي يتعرض له المواطن من أصحاب مولدات الكهرباء، يفرض على الجهات الحكومية في القطاع تطبيق قرارها بتحديد السعر الجديد وتنظيم وضبط عمل المولدات.

البث المباشر