كل حسابات الدول، ومواثيق الجيرة تتغير، حينما يكتشف الجار أنك غزي، فلا مكان على خريطة الحسابات لصياد زاهد يتحايل على البحر كل يوم لتحصيل بعض من رزقه.
كانوا ثلاثة صيادين، عشاق البحر، لا عشاق الحياة، في البحر رزقهم وما يوعدون، أو هكذا كانت الظنون حينما ركب محمود، وياسر، وحسن محمد إبراهيم زعزوع، قاربهم الجديد في ليلة الجمعة قاصدين عباب البحر المظلم، فتاهت منهم الدفة وانحرفت جنوبا حتى تجاوزت البحر الغزي مخترقة الحدود البحرية المصرية.
الصيادون جميعهم من المحافظة الوسطى، أكبرهم في السادسة والعشرين وأصغرهم في التاسعة عشرة، دخلوا البحر عند الساعة السابعة صباحاً يوم الخميس 24 سبتمبر/أيلول، وأطلق عليهم النار الساعة الواحدة من صباح الجمعة، والحديث حتى اللحظة يدور عن استشهاد اثنين منهم، واعتقال الثالث.
لا اخبار يؤكدها أي من الجانبين المصري أو الفلسطيني، الخبر الوحيد المؤكد أنهم لم يعودوا إلى أحضان عائلتهم حتى الآن.
ياسر ما زال تلميذا لدى أخويه لصغر سنه، خرج من مدرسته مبكرا لفقر الحال الذي يعاني منها الصياد الغزي، بمركب أشتروه دينا ليخوضوا عتمة البحر، في ظل رزق يأتي اليوم ويغيب لعشرة أيام.
بين علاج الأب المريض المنتظر على باب الدار منذ الأمس، وبين رزق العائلة القليل عاشت عائلة زعزوع رغما عن ضنك الحياة، راضية ببيع السمك القليل، وبين خوف من مهاجمة سلاح البحرية الإسرائيلي، وخطأ يسلكه القارب يعيش الصياد الفلسطيني هاجسه كل يوم، وهذا ما حدث لثلاثة صيادين يمتطون مركبهم الجديد ولا يدري أحد كيف تجاوز الحدود.
تقول أمهم: لم يكلمونا، جاء هاتف الى ابني الكبير فخرج منذ السابعة صباحا وخرجت وقلبي يشعر بالخوف، أركض وراءه وأسأله ما الذي حدث لأخوتكم، تضاربت الأخبار، قالوا اعتقلوهم، ثم قالوا قتلوهم، وأنا لست متأكدة من أي خبر، الأخبار تتضارب، وترعبني، لم يكن أبنائي الثلاثة يريدون شيئا سوى الستر.
تناشد أم الصيادين رئيس السلطة، لمعرفة خبر واحد يطمئن قلبها، وتناشد مصر، وتمتد المناشدة بحسرة إلى الدول العربية كلها، تريد أن يساعدها أحدهم بعودة أي منهم، وتقول: كانت فرحتهم بمركبهم الجديد كبيرة، ولم يسددوا شيئا من دين بعد سنوات من العمل كمأجورين لدي غيرهم من الصيادين.
ولم يكن لدى نزار عياش، نقيب صيادي الأسماك الفلسطينيين في قطاع غزة، الكثير من الأخبار سوى أنه قال إن يوم الجمعة 25 سبتمبر/أيلول 2020، اعتقل الجيش المصري ثلاثة صيادين، جنوب قطاع غزة، بعد أن اجتازوا الحدود البحرية المصرية.
ويبين أن أيا الجانب المصري لم يتصل ليبلغ عن تلك الأرواح التائهة في بحره، وحده زميل لهم رأى الحدث من بعيد وعاد لينقل هذه الأخبار المتضاربة والتي لم يؤكدها أي أحد.
واستنكر عياش في مكالمة مع "الرسالة" تناقل الأخبار دون التأكد، مشيرا إلى أن الذي رأى المشهد قال إن هناك إصابات وإطلاق نار، ولم نتأكد إذا كان هناك شهداء بالفعل، ولا يوجد أي جهة نتواصل معها من الجانب المصري.
ولفت إلى أنهم حولوا الملف إلى الداخلية لتبحث عن طريقة للتأكد من أي أخبار متداولة، مناشدا الجهات المسؤولة وكل النشطاء على شبكات التواصل بالتريث في نشر أي معلومة لأن كل معلومة مربكة لأهالي الضحايا على حد قوله.
وحدها عائلة زعزوع نامت ليلة الأمس، بين يأس وأمل، وهي تحسب في معادلة العودة واللا عودة، لأبناء ثلاثة هم عمود الدار الذي يستند عليه .