بعد أسبوعين من المفاوضات التي عقدت في منتجع "كامب ديفيد" بدعوة من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، ومشاركة الرئيس الفلسطيني الشهيد الراحل ياسر عرفات، ورئيس وزراء الاحتلال الأسبق ايهود باراك، وفي تموز من العام 2000، وبعد عدم التوصل إلى حل سلمي في الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، اندلعت "انتفاضة الأقصى".
آنذاك، أتهم الشهيد عرفات بعدم تقديم تنازلات من شأنها التوقيع على الاتفاقية التي كانت ترسم شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية، وشهد عصر الخميس 28 أيلول 2000 مواجهات بين مصلين وشبان غاضبين وشرطة الاحتلال وحرس حدوده وقواته الخاصة، التي اقتحمت باحات الأقصى لتأمين تدنيسه من قبل زعيم حزب الليكود المتطرف أرئيل شارون، وعدد من أعضاء حزبه اليمينيين، فكانت تلك الساعات الشرارة الأولى لانطلاق الانتفاضة الثانية والتي عُرفت فيما بعد باسم "انتفاضة الأقصى".
أصيب في أحداث اليوم الأول 20 شابا بجروج مختلفة، وشهد اليوم الثاني، الجمعة 29 أيلول، مواجهات أكثر عنفا، بعد انتهاء صلاة الظهر، أسفرت عن استشهاد ستة شبان و300 جريح، والشهداء هم: أسامة جدة من القدس، وبلال عفانة من أبو ديس، وحمد فراح من أم الفحم، ويحيى فرج من بيت صفافا، وهيثم عويضة من القدس، أما الشهيد السادس فظل مجهول الهوية حتى اليوم التالي.
السبت، 30 أيلول، وهو اليوم الثالث للأحداث، عم اضراب شامل وحداد عام، واتسعت رقعة المواجهات لتشمل كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، مما أسفر عن استشهاد 13 مواطنا واصابة 623، وكان من بين الشهداء الطفل محمد جمال الدرة بعد أن حاصرته النيران الإسرائيلية بين يدي أبيه وأمام كاميرات التلفاز، فهزت صورته ضمائر البشر في كل أرجاء المعمورة وصار بذلك رمزا للانتفاضة الفلسطينية في كل مكان.
وفي اليوم التالي، الأحد، الأول من تشرين الأول، استشهد عشرة مواطنين واصيب 227 آخرين، واستخدم الاحتلال في تلك المواجهات المروحيات وصواريخ اللاو. وخرجت أولى المظاهرات المساندة للشعب الفلسطيني في تصديه لقوات الاحتلال، ورفضه المساس بمقدساته الاسلامية، فكانت مظاهرة مخيم عين الحلوة، تلتها مظاهرة حاشدة في مخيم اليرموك القريب من دمشق، لتمتد لاحقا إلى معظم العواصم والمدن العربية والاسلامية والغربية، حيث شهد بعضها مسيرات مليونية، وبدأت حملات تبرعات ضخمة عبر شاشات التلفزة العربية، حيث تم تخصيص أيام مفتوحة للتبرع لصالح الانتفاضة، وخرج عشرات الجرحى للعلاج في المستشفيات العربية.
وفي ذات اليوم الأول من أكتوبر/ تشرين أول امتدت المواجهات إلى داخل أراضي عام 1948، إذ نفذ الفلسطينيون هناك إضرابا شاملا وقاموا بالاحتجاج والاشتباك مع وحدات الشرطة الإسرائيلية التي اعتقلت 18 من المشاركين وقتلت عمر أحمد جبارين (21 عاما) قرب أم الفحم، ليكون شهيد الانتفاضة الأول في الداخل، وأصابت سبعة متظاهرين بالرصاص الحي، وثلاثة وخمسين بالطلقات المطاطية. وبعدها بعدة أيام أستشهد نحو 13 مواطنا من داخل أراضي عام 48 خلال مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية في عدد من البلدات والمدن العربية، في أوسع مشاركة لفلسطينيي الداخل في التصدي للاحتلال.
وفي اليوم الخامس للانتفاضة، الإثنين الثاني من تشرين الاول، استشهد ثمانية مواطنين في مواجهات في الداخل، وفي يوم الثلاثاء، سادس ايام الانتفاضة، استشهد 9 مواطنين في الضفة وغزة وكفر مندا.
في بدايات تشرين الأول/ أكتوبر 2000، بدأت الصحف تنشر اعلانات تأجيل حفل زفاف، حيث تأجل الكثير منها، أو تم في صمت، احتراما لدماء الشهداء والجرحى ومراعاة للظروف التي يمر بها شعبنا.
في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين أول قتل جنديان اسرائيليان بعد أن دخلا بطريق الخطأ إلى مدينة رام الله، بأيدي الشبان الغاضبين، وردت (إسرائيل) بشن هجمات صاروخية بالطائرات العمودية على بعض مقار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
في 15/10، وبحلول اليوم الثامن عشر للانتفاضة استشهد الشاب رائد حمودة متأثرا بجروحه، مسجلا الرقم 100 في سجل شهداء الانتفاضة.
وفي السابع عشر من تشرين أول/ أكتوبر، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار وسحب القوات الإسرائيلية، وذلك خلال قمة عقدت في منتجع شرم الشيخ المصري بإشراف كلينتون. ولكن استشهاد تسعة مواطنين وجرح أكثر من مائة آخرين في مواجهات عنيفة في الحادي والعشرين من أكتوبر/ تشرين أول جدّد المواجهات، التي ازدادت وتيرتها كما ونوعا، بانفجار سيارة مفخخة في أحد أسواق مدينة القدس في 2/11، ما أدى إلى مقتل عدد من الإسرائيليين.
الاحتلال من ناحيته صعد في نوعية المواجهة، فقتلت طائراته الناشط البارز في حركة فتح حسين عبيات، وذلك بتاريخ التاسع من تشرين الثاني، بعد قصف سيارته بالصواريخ في مدينة بيت لحم، لتكون بمثابة الفاتحة في سلسلة الاغتيالات الاسرائيلية للنشطاء الميدانيين وقادة الفصائل والعمل الوطني، حيث كان أمين سر حركة فتح في مدينة طولكرم ثابت ثابت، الهدف الثاني للاغتيال بعد عبيات.
لاحقا ازدادت وتيرة الاغتيالات الاسرائيلية، وشملت معظم الفصائل الفلسطينية وقادتها، وأبرزهم: اغتيال ياسر عرفات بالسم بعد محاصرة مقره في رام الله، واغتيال الزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وخلفه عبد العزيز الرنتيسي، اضافة الى اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، ومئات النشطاء البارزين من مختلف التنظيمات.
يذكر أنه في 18 أيار 2001، دخلت طائرات الـ (اف 16) المقاتلة المعترك، وقصفت مقرات للشرطة الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين، وجاء ذلك بعد أن نفذت عملية تفجير في مركز تجاري سياحي بمدينة نتانيا الساحلية وأسفرت عن مقتل خمسة اسرائيليين واصابة آخرين.
ولعل من أبرز أحداث الانتفاضة اجتياح العام 2002، والتي أطلق عليها جيش الاحتلال عملية "السور الواقي"، حيث بدأت الدبابات الاسرائيلية بدخول مدينة رام الله في 29-3-2002، ومحاصرة مقر الشهيد الراحل عرفات، وكنيسة المهد وابعاد المقاتلين الذين تحصنوا فيها الى غزة والأردن ودول اوروبية، وأعادت فيها (إسرائيل) احتلال جميع مدن الضفة الغربية.
في ساعات فجر يوم الأحد 31/3/2002، جرى اجتياح مدينة قلقيلية، وفي اليوم التالي اجتاحت مدينة طولكرم، و2-4-2002 اجتاحت بيت لحم، وفي 3-4-2002 اجتاحت سلفيت وجنين ونابلس، وارتكب الاحتلال خلال الاجتياحات العديد من المجازر بحق المدنيين، أبرزها: مجزرة مخيم جنين، الذي صمد لأكثر من أسبوعين في وجه آلة القتل والخراب الاسرائيلية، ودمر الاحتلال البنى التحتية وقطع أوصال المدن والمناطق الجغرافية بالحواجز والسواتر الترابية، التي زاد عددها عن 600 حاجز، ووصلت أعداد الشهداء إلى المئات والجرحى الى الآلاف، ودمرت مئات المنازل والمنشآت والمركبات.
وكان من أشد نتائجها خرابا على الضفة الغربية، بناء جدار الفصل العنصري، والذي يبلغ طوله 728 كم، ويلتهم 23% من أراضي الضفة الغربية، خاصة في مناطق جنين وقلقيلية وسلفيت والقدس، ويفصل 36 تجمعا سكانيا "72000" مواطن عن أراضيهم الزراعية. ويقسم الضفة الغربية الى كنتونات منفصلة، ودخول 11 تجمعا سكانيا فلسطينيا "26 ألف نسمة" الى أراضي الداخل، اضافة الى حرمان الفلسطينيين من 50 بئرا من المياه الجوفية توفر 7 ملايين متر مكعب من المياه تقع ضمن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها.