" جندي مجهول آخر" ربما هذا أنسب وصف لهذا الرجل الذي لا يعرفه كثيرون منا، رحل بالأمس الدكتور أنواح ناجيا، المتطوع الأفريقي الذي كان فلسطينيا بقلبه وفعله، متأثرا بعد إصابته بفايروس كورونا
لم يكن ناجيا مجرد داعم بالكلمة، ولكنه أيضا دعم القضية الفلسطينية بالمال، مقتنعا بما يفعل، هدفه لم يكن محاربة الرواية (الإسرائيلية)، ولكنه كان مقتنعا بضرورة وجود رواية فلسطينية تحكي هي الأخرى قصتها لكل زائر لجنوب أفريقيا فمن الظلم أن تفرض (إسرائيل) روايتها في كل المحافل.
في جنوب أفريقيا متحف للهولكوست (الإسرائيلي) وعلى بعد أمتار منه قرر ناجيا البدء في بناء المتحف الفلسطيني بماله الخاص الذي تجاوزت تكلفته ثلاثة ملايين دولار وأسماه الهولكوست الفلسطيني.
لم ينته الأمر عند الفكرة والبدء في التنفيذ، بل بدأت حرب ناجيا مع اللوبي الصهيوني الذي رفع ضده آلاف الدعاوى ليحارب مشروعه ولكنه انتصر وتحقق المشروع بعد حرب قضائية استمرت خمس سنوات متتالية.
فإن كان اليهودي يدعي حرقه على يد النازية فمن العدل أن يعرض الفلسطيني قصص حرقه على يد الاحتلال الإسرائيلي، هذه هي رسالة ناجيا التي عاش لأجلها.
وعلى الرغم من محاولات (إسرائيل) العديدة لعرقلة انطلاق المشروع والتي امتدت لسنوات طويلة، بات "متحف الهولوكست الفلسطيني" في كيف تاون، بجنوب إفريقيا، أمرا واقعا، وافتتحه ناجيا في عام 2011 حيث كان المتحف هو الأول من نوعه في العالم، بحسب القائمين عليه، رغم أن حصوله على التراخيص استغرق خمس سنوات أيضا.
ولم يكن ناجيا وحده هو المقتنع بما يفعل بل تلقى دعما من أفراد عائلته وأصدقائه، بالإضافة الى ثلاثة ملايين دولار تكفل بدفعها هو من تمويل مصدره مؤسسة كاف الحقوقية التي يديرها هو وزوجته في جنوب أفريقيا.
ومشروع المتحف يندرج تحت مظلة مؤسسة "كاف" التي قال ناجيا إنها تهتم بمجال حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك سوريا والعراق والسودان والصومال وميانمار "وحتى المكسيك"، على حد تعبيره.
ويضم المتحف معلومات وصورا قيمة عن القضية الفلسطينية بدأت بوعد بلفور وحتى الحروب التي شنت على غزة بالإضافة إلى قاعة محاضرات ومسرح ومطعم وعيادة طبية ومعرض لصور شهداء فلسطين.
الطابق الثاني من المتحف خصصه لإقامة مسجد وإلى جانبه كنيسة تتسع ل 18 مقعدا بالإضافة الى كنيس يهودي يتسع ل12 مقعدا في سعي لإيصال فكرة أن الديانات لا علاقة لها بالاحتلال والمشروع الصهيوني الذي يسعى متحف الهولكوست الفلسطيني لإظهار حقيقته.
ويؤكد ناجيا في كل تصريحاته أن للفلسطيني رسالة عدالة وليست رسالة عداء مع أي من أصحاب الأديان، ويهدف لإعادة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها لأصحابها.
رحل ناجيا بالأمس وبقيت رسالته خالده، تتردد بين أرجاء المتحف الفلسطيني: "سنوثق كل بيت، وكل شارع، وكل مدينة، وكل كنيسة، وكل مسجد تعرض للدمار.. وكل طفل أو امرأة أو رجل يستشهد" في فلسطين.