تتكرر الدعوات في الأوساط اليمينية الأميركية من حين لآخر بنقل قاعدة إنجرليك من الأراضي التركية، وتتجدد تلك الدعوات مع تصاعد الأزمات التي تشهدها العلاقة بين تركيا وبعض دول حلف شمال الأطلسي، فما مدى جديتها وهل لها من تأثير؟
وتعليقا على تلك الدعوات، يقول دبلوماسي أميركي سابق -ردا على سؤال الجزيرة نت- "يتكرر موضوع نقل القاعدة الأميركية في إنجرليك مع كل أزمة تشهدها العلاقات الأميركية التركية منذ بدء تواجد قواتنا هناك عام 1951، لكن لم يحدث أن تقدم التفكير في هذه الخطوة على مدى العقود السبعة الماضية، على الرغم من عمق الخلافات بين واشنطن وأنقرة في مناسبات كثيرة".
وتخرج دعوات في صحف ومواقع يمينية تدعو الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتخلي عن الحليف التركي، وقد ذكرت صحيفة واشنطن إكزامنر على سبيل المثال أنه "في مواجهة المصالح الإستراتيجية المتباينة في السنوات الأخيرة مع تركيا، ينبغي على واشنطن أن تفكر في نقل قاعدة إنجرليك جنوب تركيا إلى خارجها".
حياد واشنطن
ولا يرى الكثير من المعلقين أن واشنطن تتخذ موقفا حياديا من التوترات في شرق المتوسط بين اليونان وتركيا، الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو).
واعتبر الأستاذ بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون ديفيد دي روش، أن هناك بعض التحيز لصالح اليونان والقبارصة بين الأوروبيين، وليس بالضرورة بين الأميركيين؛ حيث تتمتع قبرص واليونان بعضوية الاتحاد الأوروبي خلافا لتركيا.
ويضيف دي روش أن "فرنسا تؤيد بقوة اليونان وقبرص لأنها تسعى باستمرار إلى النهوض بالاتحاد الأوروبي على حساب حلف شمال الأطلسي"، إلا أنه لا يرى كذلك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أساء الحسابات في التعامل مع واشنطن، رغم أنه "لا يحظى بشعبية في الولايات المتحدة، وقد ألحق الكثير من الضرر بمصالح تركيا في الغرب، بحسب دي روش.
ومع ذلك، هناك اعتراف أميركي بأن تركيا تحتل دورا رئيسيا في حلف شمال الأطلسي، وتمثل شريكا حاسما للجهود الأميركية في العراق وسوريا.
ويضيف أن "عددا كبيرا من اليونانيين يوجدون في الولايات المتحدة ويميلون إلى أن تكون واشنطن صريحة وداعمة لليونان، وهناك أيضا عدد أقل من الأتراك الذين ينظر العديد منهم إلى أنفسهم على أنهم منفيون، وليسوا من المعجبين بأردوغان. ومع ذلك، لا يمكن إنكار الأهمية الإستراتيجية لتركيا، وسوف تكون دائما مهمة بالنسبة للولايات المتحدة".
قوي عسكريا ضعيف دبلوماسيا
من جهته، يذكر هاورد إيزينشتات الأستاذ بجامعة لورانس والخبير في العلاقات التركية الأميركية -في حديث للجزيرة نت- أن "واشنطن لم تتخذ موقفا مؤيدا لليونان أو لتركيا في صراعهما بشرق المتوسط، وإذا كان هناك أي موقف أميركي واضح فهو الصمت تجاه هذا التوتر".
ويضيف أن خلاصة القول هي أن موقف تركيا قوي -نسبيا- عسكريا ولكنه ضعيف دبلوماسيا جدا، "لدي بعض التعاطف مع جوانب القضية الأخلاقية للموقف التركي، ولكن من منظور القانون الدولي، لا تملك تركيا في الواقع الكثير من الأسس على الإطلاق".
إنجرليك لن تُغلق
وقد استبعد كل الخبراء الذين تواصلت معهم الجزيرة نت سيناريو إغلاق قاعدة إنجرليك، ويرى بعضهم أنه يمكن لترامب الضغط على أردوغان من خلال نقل وحدة أو وحدتين عسكريتين من إنجرليك، لكن الولايات المتحدة اتخذت بالفعل الخطوة الرئيسية بطرد تركيا من برنامج تصنيع المقاتلة الضاربة المشتركة إف-35 (F-35)، وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به لجذب انتباه تركيا.
واستبعد إيزينشتات أن تغلق واشنطن قاعدة إنجرليك أو أن تسحب منها الوحدات الأميركية العاملة، مضيفا في حديث للجزيرة نت "من الواضح أن زيادة اعتماد الولايات المتحدة على اليونان في شرق المتوسط هو واقع جديد، بيد أن التخلي عن إنجرليك سيكون خطوة دراماتيكية للغاية بالنسبة للدبلوماسية إن لم يكن لأسباب عسكرية، وعليه لا أعتقد أن ذلك قد يحدث في المستقبل المنظور".
واتفق دي روش مع هذه الطرح، وأضاف أن قاعدة إنجرليك تتمتع ببنية تحتية كبيرة وتم الاستثمار فيها، ولا يمكن أن تعوّضها قاعدة كريت، "لدينا مشاكل مع تركيا في الوقت الحالي، وكانت لدينا مشاكل مع اليونان في الماضي أيضا".
وأشار دي روش إلى مساهمة الدول الأعضاء في حلف الناتو بأموالهم في تكاليف تأسيس الهياكل الأساسية في إنجرليك، وقد استخدموا جميعا -وعلى رأسهم الولايات المتحدة- هذه القاعدة في الماضي لدعم العمليات في العراق وبقية الشرق الأوسط.
بايدن ومستقبل إنجرليك
ورغم أنه لا يعرف على وجه التحديد موقف المرشح جو بايدن من صراعات شرق المتوسط، فإن من المؤكد أنه سيتبع سياسة واقعية لا تحمل معها أي مفاجآت.
واعتبر إيزينشتات أن واشنطن ستعمل "على إدارة التوتر في شرق المتوسط، وهدفها الأساسي هو ضمان عدم انفجار الوضع، وليس من المرجح أن يتغير هذا الموقف لو وصل بايدن للحكم".
وعلى الرغم من قوة العلاقات الشخصية التي تجمع بين الرئيسين ترامب وأردوغان، فقد اتخذت واشنطن مواقف قوية تجاه تركيا، وهو ما يفسره إيزينشتات بالقول إن "هناك مكونات أخرى للسياسة الخارجية الأميركية قد تتغير: أفكر هنا في الطرق التي أدارت بها إدارة ترامب المشاكل الرئيسية في العلاقات التركية الأميركية مثل صواريخ إس-400 (S-400) أو محاكمة بنك خلق (Halkbank)".
ويعتقد إيزينشتات أنه "إذا شهدت العلاقات الأميركية مع تركيا تراجعا، فلن يحدث ذلك بسبب توترات شرق المتوسط، ولكن من المؤكد أنه قد تكون له آثار على شرق المتوسط".
ويتفق دي روش مع الطرح السابق، إلا أنه أضاف أنه "سوف يتم الضغط على إدارة بايدن بحيث تتبع نهجا أكثر استنادا إلى حقوق الإنسان في السياسة الخارجية من قبل يسار الحزب. ومع ذلك، تبقى تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي وشريكا مهما، ويدرك بايدن ذلك، وسوف يتواصل جديا مع تركيا".
ويضيف أن من النادر جدا أن نرى انتكاسات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية، حتى عندما تتغير الإدارة في واشنطن، فهناك إجماع بيروقراطي وأمني وإستراتيجي حول أهمية تركيا، بغض النظر عن العلاقة بمن يحكمها.
المصدر : الجزيرة