تعمل واشنطن جاهدة لدفع السودان نحو تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال، ما تؤدي هذه الضغوط الأميركيّة لانقسام الآراء بين قبول واعتراض في الحكومة السودانيّة حول القضية المطروحة.
وتجد السودان نفسها تحت ضغط شديد من إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لكي تصبح الدولة العربية الثالثة التي تقوم بذلك في وقت قصير؛ بعد الإمارات والبحرين.
تأتي هذه المساعي من أجل تحقيق مكاسب دبلوماسية سياسية خارجية لإدارة الرئيس الأميركي، من خلال تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل وهي جزء من حملة لتحقيق إنجازات قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في تشرين ثان/ نوفمبر المقبل.
وبدا السودان "هدفا طبيعيا" لحملة الضغط بسبب النفوذ الأميركي - وجهود الخرطوم اليائسة لإزالة اسمها من قائمة الولايات المتحدة للدول "الراعية للإرهاب".
ولا يستطيع السودان الحصول على قروض ومساعدات دولية – وهي ضرورية لإنعاش اقتصاده المنهك - إلا بعد إزالة هذه الوصمة.
بينما كانت الحكومة الانتقالية في السودان تتفاوض على شروط إزالة اسم البلاد من هذه القائمة منذ أكثر من عام، ربط مسؤولون أميركيون ذلك بالتطبيع مع إسرائيل مؤخرا.
وأصبح كبار القادة العسكريين السودانيين، الذين يحكمون بالاشتراك مع تكنوقراط مدنيين في مجلس سيادي، صريحين بشكل متزايد في دعمهم للتطبيع مع (إسرائيل) كجزء من صفقة سريعة مع واشنطن قبيل الانتخابات الأميركية.
وقال نائب رئيس المجلس، محمد دقلو، لمحطة تلفزيونية محلية يوم الجمعة "سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن العلاقات مع (إسرائيل) مرتبطة بإزالة السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب".
وأضاف "نحن بحاجة لـ(إسرائيل). إنها دولة متقدمة وسوف يستفيد السودان من قدراته المتقدمة في القطاع الفني والزراعي".
وكانت مثل هذه التصريحات مستحيلة حتى وقت قريب في بلد لا يزال العداء الشعبي تجاه (إسرائيل) فيه قويًا.
وصرح أبرز مسؤول مدني في الائتلاف الحاكم، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أن "الحكومة الانتقالية ليس لديها تفويض لاتخاذ قرار بشأن قضايا سياسة خارجية بهذا الحجم".
وعندما زار وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، السودان الشهر الماضي، حثه حمدوك على المضي قدمًا في إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وعدم ربط ذلك بالاعتراف بإسرائيل.
وقال حمدوك للصحافيين في وقت سابق هذا الأسبوع "الأمر يحتاج لمناقشة عميقة داخل مجتمعنا".
وقال عدة مسؤولين سودانيين، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث لوسائل الإعلام، إن "القادة المدنيين يفضلون الانتظار حتى يتم التوصل لأي اتفاق حتى بعد الانتخابات الأميركية".
وأضافوا أن "القادة العسكريين يسعون لاتفاق سريع بين الولايات المتحدة والسودان، ويتضمن ذلك التطبيع مع إسرائيل مقابل حزمة مساعدات".
وذكروا أن "الجيش يخشى من إمكانية سحب الحوافز المعروضة عليه الآن بعد الانتخابات الأميركية". تتمثل إحدى نقاط الخلاف في حجم المساعدات المستقبلية للسودان.
وانتهى اجتماع عُقد في أبو ظبي الشهر الماضي وحضره مسؤولون سودانيون وأميركيون وإماراتيون، دون اتفاق.
وقال مسؤول سوداني - شارك في الاجتماعات - إنه تم عرض أقل من مليار دولار نقدا، ستدفعه الإمارات في الغالب. وكان الفريق السوداني طلب ثلاثة مليارات دولار للمساعدة في إنقاذ الاقتصاد السوداني.
وغرّد دقلو على "تويتر" يوم الجمعة، بعد اجتماعه مع المبعوث الأميركي إلى السودان، دونالد بوث، بأنه تلقى وعدًا بإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب "في أقرب وقت ممكن".
وقال مسؤول إسرائيلي إن المحادثات بشأن التطبيع تظل "بين الولايات المتحدة والسودان فقط". وأضاف المسؤول - الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته - "ما زلنا غير موجودين".
وقال إن "الحكومة الإسرائيلية تأمل في إبرام اتفاق قبل الانتخابات الأميركية في الثالث من تشرين ثان/ نوفمبر.
لطالما قال السودان، البلد الأفريقي ذو الغالبية المسلمة، إنه يدعم الشعب الفلسطيني في مطالبه لإقامة دولة مستقلة. واستضاف الخرطوم القمة العربية التاريخية بعد حرب عام 1967، التي احتلت فيها إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية - وهي أراض تسعى السلطة الفلسطينية لإقامة دولة فيها.
ووافقت القمة آنذاك على قرار أصبح يعرف بـ"اللاءات الثلاث"- لا سلام مع (إسرائيل)، لا اعتراف بـ(إسرائيل)، لا مفاوضات.
ويعود تصنيف السودان "بلدا راعيا للإرهاب" إلى التسعينيات، عندما استضافت السلطات لفترة وجيزة أسامة بن لادن ومسلحين مطلوبين آخرين. ويُعتقد أيضا أن السودان كان وسيلة إيران لتزويد الفلسطينيين في قطاع غزة بالسلاح.
وقال وزير الخارجية السوداني المُكلف، عمر قمر الدين، للصحافيين في جنيف الشهر الماضي "يجب أن نخرج أنفسنا من هذه القائمة التي تستخدمها الولايات المتحدة كوسيلة ضغط للحصول على بعض المكاسب من العلاقة التي تربطها بالسودان، وهي علاقة شرعية تمامًا".
المصدر: عرب 48