لم يكن صعبًا على أبناء مدينة الحرب والحب، مدينة العتمة والنور، أن يعيشوا ظرفًا استثنائيًا جديدًا حتى لو وصل بهم الحال لتجربة الحجر المنزلي الإلزامي!
عامر أبو عمرو وزوجته زهرة صرصور من حي الشجاعية شرق مدينة غزة استطاعا خلق حالة فريدة، بعد إصابة أحد أفراد عائلتهم بفايروس كورونا مما اضطرهم لتنفيذ قرار الشرطة بالحجر الإلزامي!
توتر!
تبلغنا زهرة بأن حالة من التوتر سادت أرجاء البيت، لاسيما بعد وصول الجهات المختصة لأخذ العينات من سكان المبنى.
لم يكن سهلًا تجاوز الأطفال لمشهد رجال الشرطة أمام باب منزلهم، أو الاقتناع بعدم الخروج من البيت لمدة 14 يومًا، تعلق زهرة "الخوف سيد الموقف، شقيق زوجي مصاب كورونا، الخوف عليه وعلى أهل البيت بانتظار ظهور النتيجة، وفي المقابل الخوف على الأطفال الذين لم يستوعبوا بعد هذا الوضع".
برزت على الواجهة إشكالية التعاطي مع الأطفال وملء أوقاتهم بما هو مفيد، وبدأت تحوم في رأس الأم مجموعة من الأسئلة أبرزها "كيف أقنع طفلي بالبقاء في الحجر المنزلي؟ كيف يمكنني توعية الصغار بمخاطر الفيروس وتطبيق الإجراءات الوقائية عليهم؟ كيف أجعل طفلي يقضي وقته بأشياء مفيدة ودون ملل؟
السؤال الأخير كانت اجابته عند الزوج عامر الذي أطلق العنان لأفكاره وصعد إلى سطح منزلهم لقتل الروتين هناك بطريقة مختلفة!
سينما ومدينة ألعاب!
بعد ظهور نتيجة أفراد عائلة أبو عمرو "سلبية" للجميع، والاطمئنان نوعا ما بأن الجميع بخير، لم يكن سهلًا تخطي تلك المشكلات التي واجهتهم والتي كان من أصعبها إقناع طفل صغير بالتخلي عن كل وسائل الترفيه والتسلية الخارجية التي كان يمارسها يومياً منذ سنوات والبقاء في منزل صغير لا تتجاوز مساحته عشرات الأمتار!
كأم لثلاثة أطفال بدأت زهرة (33 عامًا) بجمع الألعاب ومشاركة أطفالها باللعب، لاسيما تلك الخاصة بالتركيب والبناء وتشكيل المجسمات، وتقول:" كأم عاملة عن بعد، كنت أحاول تنظيم وقتي، وإعطاء أطفالي حقهم الكافي من اللعب إلى أن جاءت فكرة زوجي عامر باستغلال سطح البيت في أفكار غير مألوفة".
بدأ الأب بتنظيف السطح مع أهل العمارة من اخوته وأبنائهم، وقام بوصله بخط كهربائي، وكانت أرجوحة صغيرة في احدى الزوايا أول ما جهزه عامر للصغار الذين تناوبوا للعب عليها!
تدريجيًا بدأ عامر بمشاركته ليوميات الحجر المنزلي من فوق سطح منزلهم بحي الشجاعية، حتى أنه خصص أيامًا محددة للسباحة وفقًا لجدول الكهرباء والماء، حيث وضع مسبحا صغيرا في زاوية أخرى من السطح.
لم تعد كلمة "ماما زهقانين" مسموعة بالنسبة لزهرة وأمهات المبنى، حيث تطورت الفقرات الترفيهية، فبدأ الصغار بالغناء تارة، وتارة أخرى بلعب كرة الطائرة، وانشغلت البنات بالرسم على بلاط السطح ولعب الحجلة وبعض الألعاب الشعبية.
تعلق الأم وقد وصلنا ارتياحها عبر نبرة صوتها: "تجربة كتير حلوة، وطاقة إيجابية للجميع، الكبار قبل الصغار"، وتضيف:" طالما الأطفال بخير فنحن كأمهات وآباء بخير وسعادتهم ورضاهم هو ما نريد".
جاء المساء وحان وقت السينما، اندهش الصغار بعد أن جلب عمهم عامر شاشته التلفزيونية الكبيرة إلى السطح!
"سينما سطح البيت" هكذا أسماها عامر الذي شعر برغبتهم في كسر الروتين، لاسيما في فترة المساء التي يبدأ فيها سكان البيت بالتجمع للحديث خلال الحجر الإلزامي.
وترى زهرة أن الأمر كان "مسليا وغريبا" بأن يجتمع الصغار ليشاهدوا فيلم كرتون بشكل جماعي وأن يشاركهم سكان العمارة في ذلك، منوهة إلى أنهم كانوا يختارون الأفلام المناسبة ليشاهدها الجميع، كالثقافية والاجتماعية، وغيرها من أفلام الكرتون".
انتهى حجر عائلة أبو عمرو شرق مدينة غزة، لكن هذه الذكريات لن تغب عن بال صغارهم الذين باتوا يسألون عن "سينما سطح المنزل متى ستعود!"