عاد الحديث عن التوافق الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس إلى صدارة المشهد السياسي الفلسطيني، والذي يشهد حراكاً نشيطاً من الاتصالات المتواصلة بين قيادة الحركتين، كان من أبرزها اللقاءات التي عقدت في السفارة الفلسطينية في إسطنبول، وما تلاها من اجتماعات فصائلية لمواجهة الانزلاق العربي نحو التطبيع مع العدو الصهيوني.
حتى اللحظة المسار التوافقي يسير في الاتجاه الصحيح من خلال تشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية في الضفة الغربية، والعمل على ترتيب البيت الفلسطيني، وإنهاء حالة التجاذب الداخلية، وتوحيد الرؤية الفلسطينية في مواجهة السياسية الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية، إذ تواصل إسرائيل عملية التهويد والاستيطان، كان آخرها إقرار بناء أربعة آلاف وحدة سكنية على الأرض المغتصبة في الضفة الغربية.
حالة من القلق تسود الساحة الفلسطينية خشية فشل مسار الوحدة، نظراً لعدم نجاح الاتفاقيات والحوارات السابقة بين حماس وفتح، ومع ذلك يعلق الفلسطينيون آمالاً بأن يحقق المسار الحالي ما عجزت المسارات السابقة عن إنجازه، خاصة بأن ثمة ظروف مختلفة هذه المرة، ولعل أهمها محاولة فرض حل لقضية فلسطين وفق الرؤية الأمريكية الصهيونية.
إضافةً إلى هرولة بعض الدول العربية تجاه التطبيع عبر تجاوز السلطة الفلسطينية، وعدم اكتراثهم بالموقف الفلسطيني، وانفراط عقد الحصانة العربية لقضية فلسطين في جامعة الدول العربية؛ بعد فشلها في إصدار بيان إدانة لاتفاق السلام الإماراتي والبحريني مع العدو الصهيوني، فأخطر ما يتداول بالنسبة للسلطة الفلسطينية هو الرغبة في إزالة القيادة الحالية وفرض قيادة جديدة على الفلسطينيين.
ثمة تحدٍ كبير أمام مسار الوحدة الفلسطينية، يتمثل في الموقف الإسرائيلي وسلوكه الميداني لتعطيل أية حالة من الانسجام في المشهد الفلسطيني، فهو يدرك أن أي توافق فلسطيني سيكون موجهاً ضده، ولديه يقين بأن تفاهمات السلطة الفلسطينية وحركة فتح مع حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، سيعمل على نقل فتح من مربع مشروع التسوية الفاشل إلى مربع المقاومة، حتى وإن كانت شعبية دون استخدام السلاح الناري، لا العكس بجر حماس والمقاومة إلى مربع التسوية.
الموقف الإسرائيلي الرافض لأية وحدة فلسطينية ليس جديداً، فقد نجح العدو الصهيوني عند توقيع اتفاق أوسلو في أن يقسم الفلسطينيين بين دعاة سلام، وهو الفريق الذي وقع اتفاق أوسلو، وبين إرهابيين متمثلين في حماس والحركات الرافضة لمشروع التسوية، وللأسف شرعنها بالتنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وأجهزة المخابرات الصهيونية، ومع توحد المواقف الفلسطينية في رفض تدنيس المسجد الأقصى وانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وسم الكل الفلسطيني بالإرهاب.
وفي ظل حالة الانقسام الفلسطينية بين قطاع غزة والضفة الغربية، بقي الموقف الصهيوني يعمل على قضم قدرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتضييق عليها رغم كل ما تقدمه من تنسيق أمني وتعاون في ملاحقة المقاومة الفلسطينية، إلا أنه ظل يشكك بشرعيتها وقدرتها على إدارة الأوضاع في قطاع غزة، وواصل تهويد الضفة الغربية، وانشاء كيان موازٍ للسلطة الفلسطينية عبر الإدارة المدنية الصهيونية، ومنسق أعمال الحكومة الصهيونية في مناطق السلطة.
كما عمدت إسرائيل إلى تصنيف قطاع غزة ككيان معادٍ، لشرعنة الحصار والخناق عليه، وتبرير الاعتداءات المتكررة عليه بوصف من يديره بمنظمة إرهابية، وقد كان الموقف الإسرائيلي الدائم من المصالحة والتوافق الفلسطيني هو مقاربة رئيس حكومة الاحتلال وتصريحاته المتكررة عقب اتفاق 2012 واتفاق 2014:" يتعين على أبو مازن أن يختار بين التحالف مع حماس أو السلام مع إسرائيل، لا يمكن المضي في كلا الاتجاهين"
وفي ذات السياق، وضعت الحكومة الإسرائيلية مجموعة من الشروط للتعامل مع الحكومة الفلسطينية بعد توقيع اتفاق المصالحة في أكتوبر 2017 ، تتمثل في تفكيك سلاح حماس، ومنع تهريب السلاح، والاعتراف بشروط الرباعية، والاستمرار في ملاحقة المقاومة في الضفة الغربية، واليوم مع سخونة الاتصالات الحمساوية الفتحاوية تدرك قيادة الأجهزة الأمنية والاستخبارية خطورة أي توافق فلسطيني_ فلسطيني.
تعي إسرائيل بأن وقف التنسيق الأمني والتصالح مع حماس يعطي مساحة لإعادة نشاطها العسكري وبناء البنية التحتية المسلحة في الضفة الغربية، كما أن اشتعال الانتفاضة الشعبية وفق البرامج المتوافق عليها سيستنزف الجيش الصهيوني ويعطل مسار الاستيطان وتهويد الأراضي، وهي تخشى من تحول أية حالة غضب شعبي في الضفة إلى إعادة لنشاط مسلحي تنظيم فتح المنتشرين على امتداد المدن الفلسطينية في الضفة.
لا يمكن إغفال أن أي توافق ينتج عنه انتخابات فلسطينية سيعيد حماس وفصائل المقاومة للمشهد السياسي الرسمي، مما يمنحها نوعاً من الشرعية في المحافل الدولية والرسمية، وبناءً عليه سيعمل العدو على إفشال مسار الوحدة الوطنية، ولعله قد بدأ بالفعل عبر حملة الاعتقالات والاستدعاءات والتهديد بحق كوادر حركة حماس، واتخاذ مزيد من القرارات المتعلقة بمخصصات الشهداء والأسرى.
موقف العدو الصهيوني من أي توافق فلسطيني محتمل معلوم، وسيعمل على تعطيله بكل السبل، لكن المطلوب فلسطينياً المضي قدماً ومجابهة العدو، وعدم النظر إلى ما يجري في الانتخابات الأمريكية، والتفعيل الفوري للمقاومة الشعبية في الضفة، فالعدو لا يتنازل إلا أمام القوة والانتفاضة.
هل يعطّل العدوّ الإسرائيليّ مسار الوحدة الفلسطينيّة؟
بقلم: حمزة أبو شنب