أزمة مالية خانقة تمر بها السلطة الفلسطينية نتيجة استمرار رفضها استلام أموال عائدات الضرائب "المشروطة" من الاحتلال الإسرائيلي منذ عدة أشهر، واعتمادها على الاقتراض من البنوك؛ الأمر الذي ينذر بانعدام خياراتها في ظل وصولها للحد الأقصى من الاقتراض وتراجع الدعم الأوروبي لها.
وأمام هذه الحالة فإن قيادة السلطة باتت أمام خيارين أحلاهما مُر، إما التراجع للخلف والنزول عن الشجرة والقبول باشتراطات الاحتلال، أو استمرار التمسك بخيارها بالرفض وهو ما قد ينذر بانهيارها.
وترفض السلطة الفلسطينية تسلم الأموال مباشرة من (إسرائيل) منذ مايو الماضي، بعد قرار رئيس السلطة محمود عباس وقف العمل بجميع الاتفاقيات مع (إسرائيل)، ردًا على مخطط الضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية.
وكان مصدر فلسطيني قال في تصريحات لـصحيفة "الشرق الأوسط" قبل يومين، إن مسؤولين فلسطينيين ناقشوا مع مسؤولين قطريين، التوسط في مسألة أموال العوائد الضريبية لدى (إسرائيل).
وأضافت المصادر أن الأمر طرح بشكل رسمي، عبر اتصالات ثنائية وخلال لقاءات حدثت في الدوحة مؤخرًا، وأن السلطة تتوقع أن تنجح قطر في تسوية المسألة وجلب الأموال من (إسرائيل)، في أي وقت.
ونفى رئيس هيئة الشؤون المدنية، حسين الشيخ، وجود أي وساطة بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) حول ملف المقاصة، وقال في تغريدة على حسابه في "تويتر": "لم نطلب تدخل أحد (بشأن المقاصة)، والأخبار المتداولة غير صحيحة".
وأمام حالة المد والجزر تلك، فإن الأمور باتت أكثر تعقيدا في ظل محدودية الخيارات أمام قيادة السلطة، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن مدى استمرار وتمسك السلطة بقرارها هذا، لا سيما وأنها تراجعت في وقت سابق واستلمت تلك الأموال ابان اقتطاع (إسرائيل) رواتب عوائل الشهداء والأسرى من عائدات الضرائب قبل حوالي العام.
انهيار واستبدال
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي د. حسام الدجني أن السلطة الفلسطينية رهنت نفسها باستلام المقاصة بناء على الاتفاقيات الموقعة بينها وبين الاحتلال ودورها الوظيفي؛ بالإضافة إلى أن جزءا كبيرا من الدول المناحة تقدم المساعدات للسلطة بناء على تلك الاتفاقيات.
ويوضح الدجني في حديثه لـ"الرسالة نت" أن مستقبل السلطة بات في خطر كبير خاصة وأن المانحين تراجعوا عن تقديم الدعم في ظل رفض السلطة استلام أموال المقاصة، مما يضعها أمام حالة من الانهيار وهو ما تريده تلك الدولة التي تسعى إلى استبدال قيادة السلطة بقيادة تعمل وفق المزاج الدولي والإسرائيلي.
ويبين أن هناك حالة من الجدل داخل السلطة إذ يعتبر جزء منهم أنها حق فلسطيني ويمكن أن تؤخذ بُطرق مختلفة، فيما يرى آخرون أنه يجب تعزيز الاتفاق الوطني وترتيب البيت الفلسطيني من خلال الوحدة الوطنية والذهاب للمصالحة ومحاولة احراج الدول المانحة.
ويشدد الدجني على ضرورة التسريع بخطوات الوحدة واجراء الانتخابات كون أنه لا يمكن مواجهة التحديات إلا من خلال الشرعية التوافقية، وما طُرح في لقاءات إسطنبول من الذهاب لقائمة مشتركة هو أمر مهم يمكن البناء عليه.
قرار مُكلف
ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن أن السلطة في حيرة من أمرها، خاصة وأن اتخاذ قرار بهذا الشأن سيكلفها ثمنا كبيرا، في ظل انعدام الخيارات وتعمد الأوروبيين وقف دعم موازنة السلطة.
ويؤكد في حديثه لـ"الرسالة نت" أن عددا من الدول باتت تتراجع في تقديم الدعم المالي للسلطة مما يجعلها أمام واقع سيئ جدا، لا سيما وأنها لا تستطيع الذهاب للدول العربية بحكم التوتر عقب التطبيع مع الاحتلال باستثناء عدد محدود من تلك الدول.
ويبين محيسن أن الخيار الأمثل أمام السلطة المتمثل بتعليق رفضها واستلام الأموال المشروطة سيكلفها ثمنا كبيرا جدا وسينعكس مع علاقاتها الداخلية مع القوى والفصائل وسيطعن في موقف السلطة السياسي اتجاه السياسات الإسرائيلية.
ويشير إلى أن الأمر في غاية الخطورة فالسلطة لن تستطيع الإقلاع طويلا أو البقاء في هذا المسار، فيما بات يتضح أيضا أن مسار المصالحة يواجه كوابح خففت من سرعة اللقاءات وقللت من فرصة نجاحها.
وفي نهاية المطاف فإن الأيام القليلة المقبلة، كفيلة بكشف ما ستؤول إليه الأمور في ظل انعدام الخيارات أمام السلطة واشتداد الأزمة المالية التي تمر بها.