انتكس تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، أمس، الخميس، مع إعلان الرئيس ميشال عون إرجاء المشاورات النيابيّة لتكليف سعد الحريري إلى الأسبوع المقبل.
ويشكّل التأجيل ضربة جديدة للمبادرة الفرنسية، ولاقتصاد لبنان الذي يعيش أزمة خانقة جدًا.
وأوضح بيان عن الرئاسة اللبنانية، مساء الأربعاء، أنّ التأجيل جاء "بناء على طلب بعض الكتل النيابية، لبروز صعوبات تستوجب العمل على حلها"، دون مزيد من التفاصيل، بينما شدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري، على أنه "ضد التأجيل ولو ليوم واحد فقط"، حسب بيان.
والاستشارات النيابية تحصل عادة خلال اجتماعات بين رئيس الجمهورية والكتل النيابية كل على حدة، والمرشح الذي يحصل على الأكثرية، يكون هو الرئيس المكلف.
وأثار قرار التأجيل حالة من الجدل، بشأن أسبابه الحقيقية، وجدوى إرجاء الاستشارات، وإمكانية أن يكرر القرار سيناريو الحكومات السابقة.
ورغم عدم تكليفه بتشكيل الحكومة رسميًا، إلا أن الحريري بدأ خلال الأسبوعين الأخيرين بلقاءات تأليفها، والتقى الرئيسين عون وبري، للبحث في الملف الحكومي، كما أنه أرسل وفدًا من كتلته السياسية للقاء الكتل الأخرى والتشاور في الموضوع نفسه.
والإثنين، دعا عون إلى سرعة تشكيل حكومة جديدة، لعدم قدرة بلاده على تحمل المزيد من التردي.
وهذه هي ثاني محاولة لتشكيل الحكومة، منذ انفجار بيروت في 4 آب/أغسطس الماضي، الذي أسفر عن نحو 200 وفاة، وآلاف المصابين، إضافة إلى خسائر بالبنية التحتية تقدر بالمليارات، بحسب تقديرات حكومية غير نهائية.
خلافات طائفيّة
وعن أسباب تأجيل الاستشارات، أرجع مصدر سياسي، لوكالة "الأناضول"، إلى "عدم نيل الحريري الميثاقية المسيحية"، بعدما رفض أكبر تكتلين مسيحيين في البرلمان تسميته.
والتكتلان هما "لبنان القوي" الممثل لحزب رئيس الجمهورية الذي يرأسه جبران باسيل صهر ميشال عون، و"الجمهورية القوية" التابع لحزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، حسب المصدر.
وقال المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن "الحريري اتصل (الأربعاء) بعون، قبل تأجيل الاستشارات، وتوافرت خلال الاتصال معطيات ساهمت بحسم قرار التأجيل"، وأضاف أن "الحريري ماض في تحركه، ولن يسحب ترشيحه"، مشيرا إلى أن "التحرك الذي قام به الحريري، لمس من جميع القوى السياسية إيجابية بالتعاطي معه، والبعض ترك تسمية رئيس الحكومة إلى حينها".
إلا أن عضو تكتل "الجمهورية القوية"، وهبة قاطيشا، يرى أن سبب التأجيل هو "أن الرئيس عون يريد أن يعرف شكل الحكومة قبل معرفة الاستشارات"، ويوضح قاطيشا أن "الرئيس عون لا يريد تكليف الحريري،قبل معرفة خفايا شكل هذه الحكومة وشكلها".
ويضيف "ربما اعتبر عون، أن الحريري، قد أعد صفقة أو اتفاقا مع الثنائي الشيعي، وهو خارج هذه المعادلة، لذلك أجل الاستشارات أسبوعا، لكي توضح الصورة عنده أكثر".
خلافات باسيل والحريري
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي بشارة خير الله، أن "موضوع الميثاقية لا يعوّل عليه، فلا يمكن اعتبار نائب مسيحي يعطي ميثاقية وآخر لا يعطيها"، ويضيف أنّ "الدستور واضح لناحية أن التكليف يتم بأكثرية النواب، فهذه سابقة وهرطقة دستورية، واستقواء على الدستور لمصلحة خاصة".
ويشير خير الله، إلى أن "الاستشارات تأجلت، بسبب خلاف الحريري وباسيل (رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية السابق)، الذي يرغب بالضغط على الحريري لإخضاعه أو أن يفرض عليه أن يزوره أو يتصل فيه، أي عملية استفزاز بسيطة".
والأربعاء، نشر باسيل تغريدة على تويتر، قال فيها: "مع احترامنا لقرار رئيس الجمهورية بتأجيل الاستشارات النيابية، فإن هذا لن يغير في موقفنا".
وتعكرت العلاقة بين باسيل والحريري بعد استقالة الأخير من رئاسة الحكومة، إثر احتجاجات 17 تشرين أول الماضي، بعدما كانوا حلفاء في الانتخابات النيابية الأخيرة في 2018.
لا تأليف دون تكليف
أما عضو كتلة "المستقبل" النيابية، محمد الحجار، فيرى أن "أسباب التأجيل غير مفهومة، وغير مبررة"، معتبرا أن "هذا الأمر لا يتناسب مع المطلوب اليوم في لبنان لتخطي الانهيار الاقتصادي والمالي".
ويضيف الحجار "في المنطق الدستوري، لا يجب أن يكون هناك فراغ على مستوى السلطة التنفيذية، حتى لو كان هناك حكومة تصريف أعمال"، ويتابع "الدعوة لاستشارات نيابية، جاءت متأخرة أصلا بعض الشيء"، ويعتبر أن "العودة إلى منطق التأليف، قبل التكليف (أي الاتفاق على الحصص والحقائب الوزارية)، هو أمر مخالف للدستور ولن نعود إليه".