قائمة الموقع

مجلة فورين بوليسي الأمريكية*: *اليد الفلسطينية الخفية للإمارات

2020-10-31T16:55:00+02:00
مجلة فورين بوليسي الأمريكية*: *اليد الفلسطينية الخفية للإمارات
بقلم: الكاتب/ جوناثان فيرزيجر

بدا محمد دحلان -الذي كان رئيس أمن حركة فتح السابق والمنافس لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس- في عام 2011 وكأنه لحق به العار عندما دهمت الشرطة الفلسطينية منزله في رام الله وأرسلته عبر نهر الأردن ليتخذ أبو ظبي ملجأ له. وقد وجد دحلان أخيرًا في منفاه فرصة "للانتقام الجميل". مستغلا منصبه الجديد بصفته أحد المقربين من قادة الخليج العربي والعقل المدبر استراتيجيًا وإقليميًا، ها هو يساعد في صياغة اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل، والتي تقود عباس للجنون.

على مدى السنوات التسع الماضية، أقام دحلان علاقة وثيقة بشكل غير عادي مع ولي العهد الأمير محمد بن زايد آل نهيان، حاكم الإمارات العربية المتحدة المتمرد الذي منح دحلان الملاذ الآمن عندما فر من عباس.

دحلان، الذي وُلد في مخيم للاجئين في قطاع غزة، يعمل مبعوثًا دوليًا لراعيه الحاكم الثري، حيث يساعد في ترتيب صفقات تجارية وسياسية من شمال إفريقيا إلى شرق أوروبا. فعندما تغرب الشمس، يأخذ الرجلان -دحلان وراعيه- نزهة في منتصف الليل، يغنيان معًا الألحان العربية المفضلة أثناء تجولهما في السيارة في طرق أبو ظبي السريعة الصحراوية.

جعلت صداقتهم الظاهرة دحلان يدًا مؤثرة - حتى وإن لم تكن مرئية - في صياغة اتفاقيات أبراهام- اتفاقيات التطبيع التي توسطت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والتي وقعتها إسرائيل الشهر الماضي مع الإمارات والبحرين. يُعتبر دحلان مهندسًا وراء الكواليس للموقف الإماراتي الذي يقدم دعمًا فائضًا للدولة الفلسطينية بينما يضغط على عباس البالغ من العمر 84 عامًا في مواقف محرجة، كما هو الحال عندما وجد عباس نفسه مضطرًا لرفض طائرتين من الإمدادات الطبية (لمواجهة وباء كورونا) لأسباب يمكن التنبؤ بها أنها لحفظ ماء وجهه - لأن الإمارات سلمتها عبر مطار بن غوريون في تل أبيب. وأدى رفض عباس للمساعدة في أغسطس/آب وإدانته لاتفاقيات السلام باعتبارها "طعنة في الظهر" إلى نفور الحلفاء القدامى في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والتي تعتبر أكبر وأغنى دولة خليجية.

وقد أخبرني بشارة بحبح، الأكاديمي الفلسطيني المنتقد لعباس والذي شارك في كتابة أعمدة الرأي مع مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السابق للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، أن محمد بن زايد "لن يفعل أي شيء حيال الشعب الفلسطيني دون التشاور مع دحلان"، هذا وقد ورفض مسؤول إماراتي مناقشة علاقة دحلان بالأمير بن زايد.

تعلم دحلان أن يلعب اللعبة الطويلة للوصول إلى القمة بعد طريق متقلب في السياسة الفلسطينية – تودد خلاله إلى واشنطن كخليفة محتمل للرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات وتم طرده من الضفة الغربية لاحقًا لفساده.

وُلد دحلان في مخيم خان يونس للاجئين، وهو بقعة نتنة ومكتظة بالسكان في قطاع غزة الصغير، وقد نشأ كواحد من القادة الشباب للانتفاضة الفلسطينية عام 1987 ضد إسرائيل المعروفة باسم الانتفاضة الأولى، حيث تعلم العبرية خلال فترات متعددة في السجون الإسرائيلية. بعد ترحيله في نهاية المطاف، اكتسب دحلان ثقة عرفات كمساعد رئيسي عندما كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس. عند عودتهم في عام 1993 مع اتفاقات أوسلو للسلام، ترأس دحلان حركة فتح العلمانية الحاكمة في غزة وقاد العمليات الأمنية هناك، وأصبح المنفذ الذي لا يرحم لعرفات ضد المعارضة من حركة المقاومة الإسلامية حماس.

لكن أثناء صعوده في صفوف السلطة الفلسطينية بعد وفاة عرفات في عام 2004، اشتبك دحلان باستمرار مع عباس، الذي رآه الأخير منافسًا طموحًا يجب أن يظل مقيدًا. ألقى عباس اللوم على دحلان في عام 2007 لفشله في إخماد التمرد العنيف الذي سيطرت فيه حماس على غزة في ذلك الوقت. كان هو وعباس يوجهان تهم الفساد إلى بعضهما البعض منذ سنوات، مما أجج الكراهية المتبادلة بينهما. في النهاية، لم تكن شعبية دحلان حماية له ضد الشرطة والنظام القضائي الجنائي الذي يسيطر عليه عباس، مما لم يعطِ دحلان خيارًا سوى المنفى. في عام 2014، أدانت محكمة فلسطينية دحلان غيابيا بـ "التشهير بعباس" وحكمت عليه بالسجن لمدة عامين. وبعد عام، حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات أخرى بتهمة الاختلاس.

وبمجرد أن وصفته إسرائيل بأنه إرهابي، أصبح دحلان لاعباً مركزياً في التفاوض على اتفاقيات أوسلو للسلام. يبدو أن إدارة أمريكية تلو الأخرى تُعجب به، بدءًا من البيت الأبيض للرئيس السابق بيل كلينتون، ثم الرئيس جورج دبليو بوش والآن ترامب. يستطيع دحلان أن يلعب مع جميع الأطراف في غزة، حيث نشأ في نفس الشوارع "المليئة بالقمامة" مثل زعيم حماس يحيى السنوار. وبينما كان دحلان مُحتقَرًا من الحركة الإسلامية عندما حكم المنطقة وأذل قادة الحركة غير المتعاونين من خلال اعتقالهم وحلْق لحاهم وحواجبهم، فإنه يعمل الآن معهم كجزء من المعارضة السياسية الفلسطينية لعباس.

دحلان

، البالغ من العمر 59 عامًا والذي يتفاعل بشكل ضئيل على تويتر، لم يُشاهد منذ عام 2011 داخل حدود الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن زوجته جليلة تمكنت من حشد الدعم له من خلال زيارات خيرية دورية إلى غزة، بما في ذلك تنظيم حفلات زفاف جماعية للعرائس والعرسان الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الزفاف. على الرغم من أنه لا يزال لا يُتوقع من الفوز، إلا أنه من بين حفنة من المرشحين الذين يظهرون باستمرار في الاقتراع السياسي لخلافة عباس.

قابلتُ دحلان في الليلة التي سبقت مداهمة الشرطة في 28 يوليو / تموز 2011 لمنزله في رام الله، وتعرفت على مراوغته. في حين أنه لم يجرِ تقريبًا مقابلات مع الصحفيين الغربيين، فقد دُعيت كمراسل بلومبيرج نيوز لمقابلته مع مراسل فلسطيني آخر. انتظرنا لمدة ساعة تقريبًا قبل أن يستقبلنا القائد العسكري المتقاعد في غرفة معيشته مرتديًا سترة حريرية وخفًا. قال دحلان بابتسامة متعبة تحت شعره الأسود المجعد أنه سيتعين عليه إلغاء المقابلة الرسمية المخطط لها لأن الوقت لم يكن مناسبًا، لكنه سيكون سعيدًا للدردشة غير الرسمية. ثم جلس بجانبي على الأريكة، وأبدى إعجابه بجهاز iPhone الخاص بي، وتصفح التطبيقات حتى وجد المُسجل الذي أغلقه. كان دحلان قاسيًا في استخفافه بعباس وقال إنه يأمل في الإطاحة به ذات يوم في الانتخابات. اعتذرَ عن ارتباكه وقام بتوديعنا ووعدنا بفرصة مستقبلية للحديث.

في صباح اليوم التالي، استيقظت على تقرير إذاعي يفيد بأن دحلان قد اختفى بينما كان العشرات من القوات الخاصة الفلسطينية يغيرون على منزله، اعتقلوا عشرة من حراسه الشخصيين وسحبوا كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة من القبو. كعضو في المجلس التشريعي الفلسطيني، كان دحلان يتمتع بالحصانة من الاعتقال، ولكن بحلول اليوم التالي، ورد أنه غادر الضفة الغربية وعبر إلى الأردن المجاور.

استغرق الأمر أربع سنوات أخرى قبل أن نعود للحديث مرة أخرى كما وعد، وهذه المرة كانت المقابلة في منزله الجديد المترامي الأطراف في أبو ظبي. بدا دحلان أنيقًا بقميص أسود وبنطلون جينز أزرق، وقدم أطباق من التمر وشوكولاتة بونبون كما تحدثنا في غرفة المعيشة ذات الأرضية الرخامية. أصبح قصره المتواجد على مرمى البصر من ناطحات السحاب الشاهقة في أبو ظبي عبارة عن صالون دولي يختلط فيه السياسيون الفلسطينيون والإسرائيليون. بحلول ذلك الوقت، أصبح دحلان منخرطًا بشكل متزايد في المصالح التجارية، واصفًا نفسه بأنه "فتح الباب" للعملاء بسبب النطاق الواسع من الاتصالات الدولية التي طورها أثناء تجوله حول العالم مع عرفات.

إلى جانب بن زايد، كان دحلان على علاقة وثيقة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تشاور معه حول كيفية مواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة وزعماء صربيا والجبل الأسود. حصل دحلان وعائلته على الجنسية الصربية بعد أن أنقذ الإماراتيون الأثرياء الخطوط الجوية الصربية في عام 2013 واستثمروا في تطوير عقاري بقيمة 3 مليارات دولار على الواجهة البحرية في بلغراد.

هذه المرة، تحدث دحلان بشكل رسمي ولكن بألغاز، مستخدمًا نوعًا من الغموض البلاغي الذي اشتُهر به معلمه عرفات. وبدلاً من التصريح بأنه سيتنافس على رئاسة السلطة الفلسطينية، قال دحلان فقط إنه سيسعى لإعادة انتخابه في البرلمان وأنه سيحضر ما أسماه عنصر "القيمة المضافة" لفريق القيادة بعد مغادرة عباس. وقبل كل شيء، أعرب عن امتنانه للحياة التي تمكن من إعادة بنائها في أبو ظبي وولعه بضوء القمر مع ولي العهد.

 

اخبار ذات صلة