شكلت سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب محطة مفصلية بالنسبة للسلطة الفلسطينية وكانت الأربع سنوات من حكمه ربما الأصعب على السلطة في علاقاتها الخارجية وتحديداً مع الولايات المتحدة، ومع إعلان النتائج الرسمية للانتخابات الأميركية، بان ارتياح السلطة من فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن.
ولم تكن تخفي السلطة الفلسطينية كراهيتها للرئيس ترامب ورغبتها في فوز بايدن، وقد تحدث صراحة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إلى أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي قبل الانتخابات الامريكية، قائلاً " إذا كان لدينا 4 سنوات أخرى من الرئيس ترامب فليكن الله في عوننا وعون الاتحاد الأوروبي والعالم بأسره".
الكاتب الإسرائيلي يوني بن مناحيم كتب في مقال له "يقول مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية إن أبو مازن لديه وعد من جو بايدن بإلغاء سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب ضد الفلسطينيين، بقيادة برنامج "صفقة القرن".
وبحسب المصادر نفسها، فهذه وعود جو بايدن للفلسطينيين:
أ. إعادة فتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
ب. إعادة المكانة السياسية للقنصلية الأمريكية في القدس إلى ما كانت عليه قبل الاتحاد مع السفارة الأمريكية.
ج- تجديد المساعدة المالية الأمريكية للسلطة الفلسطينية والأونروا مما سيحسن الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية.
د- إلغاء خطة ترامب للسلام المعروفة بـ "صفقة القرن" واقتراح مخطط سياسي جديد يقوم على حل الدولتين على أساس مقترحات رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت لمحمود عباس كخط انطلاق للمفاوضات.
ه. مطالبة أمريكية من (إسرائيل) بتقييد البناء في المستوطنات.
ويبدو أن السلطة تعلق آمالا على بايدن، ورهنت على أجندتها عدة ملفات في انتظار خروج ترامب من البيت الأبيض، وربما ترى السلطة أن فوز بايدن سيعيد العلاقات الفلسطينية الأمريكية لسابق عهدها ويصوب مسار السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الفلسطينيين وعدة ملفات في الشرق الأوسط.
الملف الأهم على أجندة السلطة هو التسوية السياسية التي انتهت منذ العام 2000 ولم تنجح محاولات إدارتي جورج بوش الابن 2000/ 2008 وباراك أوباما 2008/2016 من تحقيق أي اختراق فيها نتيجة الانحياز الأمريكي الكامل للموقف الإسرائيلي وعدم ممارسة أي ضغط حقيقي على دولة الاحتلال، لتأتي إدارة ترامب 2016/2020 وتخلع عباءة الوسيط المنحاز وتمارس دورها الحقيقي كحليف استراتيجي قدم كل ما يمكن لحليفه ونقطة ارتكازه الأساسية في المنطقة.
تعويل قيادة السلطة على بايدن السياسي المخضرم ونائب الرئيس الأسبق أوباما والمطلع على قضايا الشرق الأوسط والملف الفلسطيني مبالغ فيه، خاصة أنه يسمي نفسه صهيونيا، وأنه على علاقة وطيدة مع نتنياهو حتى عندما كان نائبا للرئيس السابق أوباما وذلك بحسب مجلس العلاقات الخارجية الامريكية.
وعلى ضوء ما ورد في برنامج الحزب الديمقراطي لانتخابات 2020 فيما يتعلق بـ(إسرائيل) "يؤمن الديمقراطيون بـ(إسرائيل) قوية، آمنة، وديمقراطية إن التزامنا بأمن (إسرائيل)، وقدرتها العسكرية القوية، وحقها في الدفاع عن نفسها هو اهتمام صلد".
وفيما يتعلق بحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي جاء في برنامجهم "ندعم حلا تفاوضيا قائما على حل الدولتين والذي يضمن مستقبل (إسرائيل) كدولة يهودية ديمقراطية ضمن حدود معترف بها، ونؤيد حق الفلسطينيين بالعيش بحرية وأمن في دولة قابلة للحياة".
ويمكن القول ان سياسة بايدن لن تختلف عن الإدارات السابقة وستشكل عودة للسياسة الأمريكية ما قبل ترامب.
حيث لم يرد ذكر الاحتلال الإسرائيلي ولا أن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون على حدود 1967، ولا اعتراف بحق عودة اللاجئين وانما تأييد حل تفاوضي دون أي ضغط على الجانب الإسرائيلي، ودعم يهودية الدولة، مع معارضة خطوات أحادية الجانب بما في ذلك الضم، وإبقاء القدس موضوعا لمفاوضات الحل النهائي، مع ضرورة أن تبقى عاصمة لـ(إسرائيل) ومدينة غير مقسمة متاح الوصول إليها لكل الأديان، بحسب برنامج الحزب.
إن المعطيات السابقة تؤكد أن الرهان الفلسطيني على ولاية بايدن رهان خاسر ولن يحقق أي تقدم على صعيد إقامة الدولة الفلسطينية، وجل ما قد يقدمه بايدن هو إعادة العلاقات الدبلوماسية الفلسطينية الامريكية لما قبل عهد ترامب وفتح مكتب المنظمة في واشنطن مع استئناف الدعم المالي الذي أوقفه ترامب وابقائه مرهونا بالقانون الأميركي الذي يتضمن منع تحويل أموال لعائلات الشهداء والاسرى.
وهناك من يذهب إلى أن بايدن قد يجد صعوبة في إلغاء قرارات ترامب الخاصة بالقضية الفلسطينية، وسيستأنف اتفاقات التطبيع ما يعني أن حقبته لن تكون مريحة كثيرا بالنسبة للسلطة التي تأمل أن يستأنف عملية التسوية التي فقدت كل مقومات نجاحها بعد أن فرض الاحتلال أجندته بالقوة ولم يعد لديه ما يتفاوض عليه.
ومع ذلك فإن السلطة ستصور أن دخول بايدن للبيت الأبيض سيشكل دفعة جديدة "للسلام" خاصة إذا ما دعم عقد مؤتمر دولي للسلام وهو ما يطالب به الرئيس محمود عباس.
لكن الأخطر ان فوز بايدن وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع أميركا يعني انهاء أي فرص للمصالحة التي تحركت المياه الراكدة فيها مطلع شهر يوليو الماضي بعقد مؤتمر صحفي مشترك بين أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل رجوب ونائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري وفيما بعد بلقاءات إسطنبول بين الحركتين.
مصالحة دُفعت الحركتان نحوها خاصة فتح والرئيس أبو مازن اليائس من سياسة ترامب وعملية التسوية والمحبط من التطبيع العربي، لكنه عاد ليجمد أي حراك على صعيد ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني في انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، حيث كان سيتسبب فوز ترامب بمزيد من الإحباط لأبو مازن ولا يجد أمامه مفرا من الذهاب نحو المصالحة، بينما فوز بايدن سيجعله يتأنى في أي حراك داخلي لتصويب العلاقات مع الولايات المتحدة وفي كلا الحالتين فإن القضية الفلسطينية الخاسر الأكبر من الرهان.
ما بين الفيل والحمار.. القضية الفلسطينية الحصان الخاسر
الرسالة نت-شيماء مرزوق