لا يقتصر هذا التاريخ 11/11 من كل عام على ذكرى رحيل القائد الوطني ياسر عرفات أبو عمار، بل يطول إلى اعتباره تاريخ بدء التدهور الحاصل في بنية حركة فتح واختلال مسارها، لتنتقل على يد خليفة أبو عمار إلى أحوال غير مسبوقة.
وبدءاً من فتح كتنظيم على مدار السنوات الماضية، انقسمت فتح إلى قسمين رئيسين، يتمثل في تيار محمود عباس وتيار النائب محمد دحلان، ولكل قسم قائمة من الإشكاليات الداخلية والاحتقان، غالبا ما يظهر على السطح أجزاء منها فقط.
وظهر خلال حقبة ما بعد أبو عمار السؤال البارز: "من أي فتح أنت؟"، وعلى أي شخصية قيادية محسوب، خصوصا في الضفة، الساحة الأقوى للحركة ظاهريًا، ولكنها الأضعف بسبب الخلافات التي تنتشر في كل منطقة فيها.
ووفقا لمعلومات موثقة لقيادات في حركة فتح، فإن الخلافات تعصف بالحركة منذ سنوات، خصوصا في ملف خلافة أبو مازن، ولذلك أعد كل قيادي العدة للانقضاض فور رحيله عن الكرسي، بالموت أو بغيره، وهذا ما ظهرت بعض أطرافه خلال فترة مرض عباس أكثر من مرة خلال السنوات الماضية.
وحتى في التعامل مع الملفات الثقيلة، أثرت الخلافات الفتحاوية الداخلية على القضايا الوطنية، والعلاقات الداخلية بين الفصائل، وكذلك الحال مع الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى التعامل مع الإقليم، والعكس أيضا في تعامل كل الأطراف سابقة الذكر مع حركة فتح بشقيها.
وميدانيًا تأتي الذكرى السادسة عشر لرحيل أبو عمار، على وقع الاشتباكات في مخيم بلاطة في نابلس، بين مسلحين محسوبين على حركة فتح والأجهزة الأمنية التابعة لسلطة حركة فتح، أدت خلال الأيام الماضية لوقوع قتلى وجرحى من الطرفين، ما يلخص المشهد الذي وصلت إليه فتح بعد رحيل أبو عمار.
وعلى الصعيد السياسي، فإن حركة فتح باتت غائبة عن الساحات الكبرى كمخيمات لبنان وسوريا والأردن ومصر والجاليات الفلسطينية في أوروبا وأمريكا اللاتينية، وهذا ما أظهرته على سبيل المثال لا الحصر الانتقادات اللاذعة التي وجهت لقيادة الحركة في أعقاب زيارة إسماعيل هنية إلى مخيم عين الحلوة قبل عدة أسابيع، والاستقبال الحافل الذي حظي به.
في التعقيب على ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن الفارق كبير بين حركة فتح في حضرة أبو عمار، وفتح اليوم، فتح في حضرته كانت كبيرة تهيمن على القرار الوطني الفلسطيني بالبعد الشعبي والسياسي، في ظل احتضان أبو عمار للآخرين مع الاختلاف معهم.
وأضاف عوكل في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن أبو عمار كان يحول الخلافات داخل فتح ومع الاخرين إلى عوامل إيجابية، وكان لا يسمح بالتفريط بحركة فتح ولا بالائتلاف الوطني، ولو كان موجودا لما حصل الانقسام.
وأوضح أن أبو عمار كان منفتحا على كل الخيارات واستشهاده خلال انتفاضة الأقصى مؤشر قوي على انه لا يُخضع السياسة الفلسطينية لخيار وحيد وهو المفاوضات، وبالتالي فإن فتح الآن ليست فتح التي نعرفها خلال الثورة الفلسطينية وبدايات أوسلو، حيث فتح الان تعاني من مشكلات عمليا يمكن تسميتها انقساما داخل حركة فتح التيار الإصلاحي من جانب والحركة الرسمية من جانب اخر.
وتابع: "فتح تواجه تنافسا قويا من حركة حماس ومع الأسف تفرط إلى حد كبير في تحالفاتها التاريخية مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية نتحدث عن فتح التي لا تشبه فتح أبو عمار من حيث الحجم والتأثير والخيارات والوحدة الداخلية".
وأكد أن هذا الوضع لا يمكن ان يعود للوراء، حيث من الصعب أن تستحوذ على المكانة والتأثير السابق والتوسع الشعبي التي كانت عليه من قبل، في ظل صعوبة التحدث عن حركات خالدة، في حين ان التراجع والضعف لا يتوقف؛ لان القيادات الراهنة لم تعد قادرة على أن تعيد فتح الى ما كانت عليه والقيادات تختلف أمام قيادات الجيل الثاني والثالث الحالية، وجيل المؤسسين والاوائل كان جيلا مختلفا والدور الكبير والمركزي كان لأبو عمار.
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي عبد الله العقاد أن الوضع الداخلي لحركة فتح لم يختلف كثيرا في غالب المحطات على مدار العقود الثلاثة الماضية، إلا أنه ازداد سوءاً برحيل أبو عمار لما يمثله من مركز وثقل في الحركة.
وأوضح أن قوة أبو عمار في الحركة انعكست على موقفه اتجاه الاحتلال الإسرائيلي من خلال صلابة مواقفه في أعقاب اتفاق أوسلو خصوصا في القضايا الجوهرية كالقدس واللاجئين، في حين لم تستطع الحالة الفتحاوية المتشرذمة فيما بعد الحفاظ على الإرث الذي تركه أبو عمار.
بعد 16 عاما على رحيل أبو عمار.. أين "فتح" اليوم؟
الرسالة نت-محمود فودة