مُنقِذا العالم من «كورونا» المهاجران، عَشِقا العلم؛ ففي يوم زواجهما عادا بعد انتهاء الحفل إلى المختبر، ليتابعا العمل! ولد أوغور شاهين في مدينة إسكندرونة بتركيا، وهاجرت عائلته إلى كولونيا بألمانيا، حيث أصبح طبيباً، والتقى د.أوزليم توريسي، وتزوّجها، وهي ابنة طبيب تركي، هاجر من إسطنبول. عام 2001، أسس الزوجان شركة جانيميد للأدوية.
وبعد سنوات، أسّسا «بيونتك» قبل عامين، أفاد د.شاهين في برلين بأن شركته قد تكون قادرة على استخدام تكنولوجيا الحمض النووي الريبوزي المرسل لتطوير لقاح، في حال حدوث جائحة عالمية. وبعد أن ظهرت «كورونا»، اتضحت صحة نبوءة شاهين.
وبدأت شركته العمل على اللقاح في يناير. كانت «بيونتك» تعمل مع «فايزر» على لقاح الإنفلونزا منذ عام 2018. وفي مارس الماضي، اتفقت الشركتان على التعاون، وحينها طوّر شاهين صداقة قوية مع ألبرت بورلا؛ الرئيس التنفيذي اليوناني لـ«فايزر». الإثنين الماضي، أعلنت الشركتان لقاحاً للفيروس، طوّره شاهين وفريقه، وكان فعّالاً بنسبة تزيد على 90 في المئة.
الزوجان من أغنى الناس في ألمانيا، والقيمة السوقية لشركتهما ارتفعت إلى أكثر من 21 مليار دولار، لكنهما يسكنان شقة صغيرة، ويستقلان الدراجة للذهاب إلى العمل، ولا يملكان سيارة!
فيما يلي التفاصيل الكاملة
قبل عامين، اعتلى الدكتور أوغور شاهين المنصة في مؤتمر في برلين وقدم تنبؤاً جريئاً، وفي حديثه إلى غرفة مليئة بخبراء الأمراض المعدية، قال إن شركته قد تكون قادرة على استخدام ما يسمى بتكنولوجيا الحمض النووي الريبوزي المرسل التي يطلق عليها اسم messenger RNA، لتطوير لقاح بشكل سريع في حال حدوث جائحة عالمية.
في ذلك الوقت، لم يكن الدكتور شاهين وشركته، BioNTech، معروفين كثيرا خارج العالم الصغير للشركات الأوروبية الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية.
ركزت شركته، التي أسسها الدكتور شاهين مع زوجته، الدكتورة أوزليم توريسي، في الغالب على علاجات السرطان، ولم يسبق لها أن قدمت منتجا إلى السوق.
نبوءة صحيحة
ومنذ أن ظهرت جائحة كورونا وانتشرت في كل أنحاء العالم، اتضح أن كلمات الدكتور شاهين أثبتت أنها نبوءة وتحققت. يوم الإثنين الماضي، أعلنت شركة BioNTech و «فايزر» أن لقاحًا لفيروس كورونا طوره الدكتور شاهين وفريقه كان فعالًا بنسبة تزيد عن 90 في المئة في الوقاية من المرض.
قفزت النتائج المذهلة بالشركتين إلى مقدمة السباق نحو إيجاد علاج لمرض أودى بحياة أكثر من 1.2 مليون شخص حول العالم. وقال الدكتور شاهين في مقابلة جديدة «قد تكون هذه بداية نهاية حقبة وباء كورونا».
بدأت شركة BioNTech العمل على اللقاح في شهر يناير، بعد أن قرأ الدكتور شاهين مقالًا في المجلة الطبية The Lancet جعله مقتنعًا بأن فيروس كورونا، في الوقت الذي كان ينتشر فيه بسرعة في أجزاء من الصين، من المؤكد أنه سيتحول إلى جائحة تضرب كل العالم.
ألغى العلماء في الشركة، ومقرها ماينز بألمانيا، إجازاتهم، وشرعوا في العمل على ما أطلقوا عليه مشروع Lightspeed أو «سرعة الضوء».
قال الدكتور شاهين في مقابلة الشهر الماضي: «لا يوجد الكثير من الشركات على هذا الكوكب التي لديها القدرة والكفاءة للقيام بذلك بسرعة كبيرة كما يمكننا القيام به نحن في شركتنا، لذلك شعرت أنها ليست فرصة، بل واجب علينا القيام بذلك، لأنني أدركت أننا يمكن أن نكون من بين أول الأشخاص الذين يبتكرون لقاحاً لهذا الفيروس».
انطلاق التجارب
بعد أن حددت BioNTech العديد من اللقاحات المرشحة الواعدة، خلص الدكتور شاهين إلى أن الشركة ستحتاج إلى المساعدة في اختبار لقاحاتها بسرعة، والحصول على موافقة من الجهات التنظيمية وتقديم أفضل لقاح مرشح في السوق.
كانت شركة BioNTech تعمل مع شركة «فايزر» على لقاح الإنفلونزا منذ عام 2018، وفي مارس الماضي، اتفقت الشركتان على التعاون من أجل إنتاج لقاح ضد فيروس كورونا.
منذ ذلك الحين، طوّر الدكتور شاهين، وهو تركي، صداقة قوية مع ألبرت بورلا الرئيس التنفيذي اليوناني لشركة «فايزر»، وقال الرجلان في مقابلات صحافية إن «علاقتهما أصبحت قوية بسبب خلفياتهما المشتركة كعلماء ومهاجرين». وقال الدكتور شاهين: «لقد أدركنا أنه من اليونان، وأنني من تركيا»، من دون أن يذكر العداء الطويل الأمد لبلديهما.
تفان في العمل
ولد الدكتور شاهين، (55 عاماً)، في مدينة إسكندرونة بتركيا، عندما كان في الرابعة من عمره، انتقلت عائلته إلى كولونيا بألمانيا، حيث كان والداه يعملان في مصنع فورد.
نشأ وهو يريد أن يصبح طبيباً، وأصبح طبيباً في جامعة كولونيا، في عام 1993 حصل على درجة الدكتوراه من الجامعة عن عمله في العلاج المناعي في الخلايا السرطانية.
في بداية حياته المهنية، التقى بالدكتورة أوزليم توريسي، التي كانت لديها آمال مبكرة في أن تصبح راهبة، وانتهى بها الأمر بدراسة الطب. وُلدت الدكتورة توريسي، البالغة من العمر 53 عاما، والمديرة الطبية لشركة BioNTech، في ألمانيا، وهي ابنة طبيب تركي هاجر من اسطنبول. في يوم زواجهما، عاد الدكتور شاهين والدكتور توريسي إلى المختبر بعد انتهاء الحفل مباشرة.
ركز الزوجان في البداية على البحث والتدريس، بما في ذلك جامعة زيورخ، حيث عمل الدكتور شاهين في مختبر رولف زينكرناجيل، الحائز جائزة نوبل في الطب عام 1996.
في عام 2001، أسس الدكتور شاهين والدكتور توريسي شركة Ganymed للأدوية، التي طورت أدوية لعلاج السرطان باستخدام الأجسام المضادة وحيدة النسيلة.
تأسيس الشركة
بعد عدة سنوات، أسسا شركة BioNTech أيضا، متطلعين إلى استخدام مجموعة واسعة من التقنيات، بما في ذلك تقنية messenger RNA، لعلاج السرطان.
قال الدكتور شاهين في مقابلة مع Wiesbaden Courier، وهي صحيفة محلية: «نريد بناء شركة أدوية أوروبية كبيرة». حتى قبل الوباء، كانت شركة BioNTech تكتسب زخمًا، جمعت الشركة مئات الملايين من الدولارات ولديها الآن أكثر من 1800 موظف، ولها مكاتب في برلين ومدن ألمانية أخرى وكامبريدج، وماساتشوستس.
في عام 2018، بدأت شراكتها مع شركة فايزر، وفي العام الماضي، استثمرت مؤسسة بيل وميليندا غيتس 55 مليون دولار لتمويل عملها في علاج فيروس نقص المناعة البشرية والسل.
في عام 2019 أيضًا، حصل الدكتور شاهين على جائزة مصطفى، وهي جائزة إيرانية تُمنح كل سنتين للمسلمين المتخصصين في العلوم والتكنولوجيا. باع كل من الدكتور شاهين والدكتور توريسي شركة Ganymed مقابل 1.4 مليار دولار في عام 2016.
في العام الماضي، باعت شركة BioNTech الأسهم للجمهور؛ وفي الأشهر الأخيرة، ارتفعت قيمتها السوقية إلى ما يزيد عن 21 مليار دولار، ما يجعل الزوجين من بين أغنى الناس في ألمانيا.
شقة ودراجات
يعيش العالمان اللذان يعتبران الآن من المليارديرات، مع ابنتهما المراهقة في شقة متواضعة بالقرب من مكتبهما، يركبان الدراجات حين يتجهان إلى العمل، في الواقع إنهما لا يمتلكان حتى سيارة.
وقال ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة «فايزر»، في مقابلة الشهر الماضي: «أوغور شاهين شخصية فريدة جداً جداً، إنه يهتم بالعلم فقط، إنه عالم ورجل مبادئ، أنا أثق به بنسبة 100 في المئة».
في ألمانيا، حيث لا تزال الهجرة تمثل قضية خلافية، كان نجاح عالمين من أصل تركي مدعاة للاحتفال.
وكتب موقع «فوكوس» للأعمال المحافظة: «مع هذين الزوجين، فإن ألمانيا لديها مثال ساطع على الاندماج الناجح».
وكتب عضو البرلمان، يوهانس فوغل، على «تويتر»: «إذا كان الأمر متروكاً لحزب البديل اليميني المتطرف، فلن يكون هناك شركة BioNTech في ألمانيا».
وأضاف: «لو كان الأمر متروكاً لنقاد الرأسمالية والعولمة، فلن يكون هناك تعاون مع شركة فايزر، لكن هذا يجعلنا أقوياء، بلد الهجرة واقتصاد السوق والمجتمع المفتوح».
كانت شركة BioNTech مشغولة للغاية في تطوير لقاح حتى إن الشركة لم تنته من التفاصيل المالية لاتفاقية الشراكة مع شركة فايزر. قال الدكتور شاهين: «الثقة والعلاقات الشخصية مهمة جداً في مثل هذه الأعمال، لأن كل شيء يسير بسرعة كبيرة.. لا يزال لدينا صحيفة شروط وليس عقداً نهائياً بعد بشأن أشياء كثيرة». قال الدكتور شاهين إنه والدكتور توريسي تعرفا على بيانات فعالية اللقاح ليلة الأحد، واحتفلا عبر تناول الشاي التركي في المنزل، قال: «لقد احتفلنا بالطبع لقد كان مصدر ارتياح».