حكم اعتياد تأخير الصلاة لحاجةٍ
يجيب على السؤال الشيخ محمد بن محمد الأسطل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد ورد سؤالٌ من بعض الإخوة الكرام عن حكم تأخير صلاة العصر لنحوٍ من نصف الوقت، وذلك أنهم ملتزمون ببرنامجٍ علمي، وفي جدوله محاضرةٌ تبدأ قبل العصر وتنتهي بين العصر والمغرب، فما الحكم؟.
فأقول وبالله التسديد:
إنَّ الحكمَ من جهة الأصل جائز؛ لأنَّ تأخير الصَّلاة إلى نصف الوقت لا يخرجه عن حدِّ وقتِ الاختيار كما يقرره الفقهاء، إلا أنَّ هذا الصنيع ليس بمحمودٍ، وينبغي تركُهُ للأسبابِ السبعة الآتية:
أولًا: لما يقتضيه من فوات وقت الفضيلة؛ وهو أول الوقت الذي يشتغل الإنسان فيه بأسباب الصلاة من طهارةٍ ووضوءٍ ونحو ذلك، وهذا فيه ثوابٌ زائدٌ على ثواب أصل الصلاة، ولا ينبغي أن يفوت.
ثانيًا: ثواب الجماعة الأولى أعظم من ثواب الجماعة الثانية، ولا ينبغي لهذا الفضل أن يفوت أيضًا، لا سيما إذا جُعِل عادةً؛ فإنَّ الشيء قد لا يُثرَّبُ فيه بالجزء ولكن يُثَرَّبُ فيه بالكل، أعني بذلك أنَّ الإنسان لو أخَّر الصلاة لحاجةٍ مرةً أو مرتين.. لاحتمل، فلو اتخذه عادةً.. لم يحتمل.
ثالثًا: عدم ترتب مفسدة على التبكير بالصلاة إلا من جهة التوهم، فأي حرجٍ يحصل لو تم إيقاف المحاضرة عشر دقائق أو ربع ساعة للصلاة!، لا سيما أن أغلب البرامج غير الجامعية يمكن ضبط الأمر فيها، لانحصار العدد، ويمكن حمل الإخوة على زيادة وقت المحاضرة بضع دقائق في آخرها.
ومن التربية التي تمنحها الصلاة أنَّها تُفتَتَحُ بقول المصلي "الله أكبر"، و "أكبر" صيغة تفضيل، ومما يذكره العلماء أن الصلاة تقدم على الأمر الكبير كما تُقَدَّمُ على الأمر الصغير، فقد يكون الإنسان مشتغلًا بعملٍ صالح كبير إلا أنَّ الصلاةَ أكبرُ منه فتقدَّم عليه.
وأما ما يُذكر عن الإمام مالك رحمه الله أنه مدَّ درس العلم وأخر الصلاة.. فلم يؤثر عنه إلا مرةً فيما أعلم مما يستفاد من الروايات، ولم يتخذه رحمه الله عادة.
رابعًا: شدة عناية الشريعة بالصلاة، فما نتكلم عنه ليس من الأعمال التي قل تأكيد الوحي عليها؛ بل هي أعظم ما عُني به بعد التوحيد، ومن شواهد ذلك أن الله أوحى الدين كله عبر جبريل عليه السلام إلا الصلاة؛ فلم يرسل جبريل عليه السلام بها؛ بل استقدم محمدًا صلى الله عليه وسلم وكلمه كفاحًا وفرضها عليه.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤذيه قومه كان يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، لكن لما شغل عن نفس الصلاة يوم الأحزاب قال: "ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا كما حبسونا وشغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس".
خامسًا: نحن في بيئةٍ لا تخلو من بعض مظاهر ضعف التعظيم للصلاة؛ فقد تجد اجتماعات تمتد لساعاتٍ ويتبسَّط فيها الإخوة، وتتأخر فيها الصلاة، فإذا انفض الاجتماع ودُعِي الحضور إلى الصلاة.. تسلل بعضهم لواذًا، وربطا طالب بعض من حَضَرَ بالتخفيف.
فهذا الصنيع يستدعي من أهل العلم والهدى والبر والتقوى أن يعظِّموا الصلاة في صدور الناس ولو كانوا من الخاصَّةِ؛ كطلبة العلم والدعاة والمجاهدين وغيرهم، لا أن يكونوا سببًا في إقرارها، مع دوام إلفها والاعتياد عليها.
سادسًا: إن دروس العلم تجعل أهلها في محل الاقتداء بهم والاستنان بفعلهم، فلا ينبغي عندئذٍ أن ينفك العلم عن العمل، فكما تسعى البرامج العلمية لصناعة دعاةٍ وعلماء وتبحث الاجتماعات الإدارية هموم العمل في سبيل الله.. فينبغي أن يكون رواد هذه اللقاءات على درجةٍ رفيعةٍ من التعبد؛ ليخرج للأمة جيلٌ يحفظ الدين من التبديل والانحراف، ومن ألمع المثبتات للأقدام قواعد التعبد والتجرد والإيمان.
سابعًا: إن الشيخ الذي يلقي المحاضرة قدوةٌ للطلبة ومنظورٌ إليه شاء أو أبى، فيؤخذ عنه حاله في تعظيم العبادة كما يؤخذ عنه حاله في تجويد العلم.
والله تعالى أعلم، وإسناد الأمر إليه أسلم.
هل يجوز تأخير الصلاة لحاجة؟
غزة - الرسالة نت