قائد الطوفان قائد الطوفان

"عانس" كلمة تدفع فتيات للزواج ممن لا يرغبن

غزة - رشا فرحات – الرسالة نت

فتيات تملأهن الحياة والمشاعر والرقة، لكل منهن قصة مختلفة، اخترن واقعا مريرا خوفا من مستقبل أمر، بحثن عن الفرصة والزواج لكنهن لم يكن لديهن حرية في الاختيار، لمجتمع ذكوري يختار منهن ما يشاء ويترك ما يشاء، فيجبرهن على الزواج خوفا من كلمة عانس، في هذا التقرير دخلت الرسالة الى حياتهن عن قرب لتسمع ما تخبرنا به تلك الجراح الدفينة في قلوبهن.

مضطرة للهروب

سمية معلمة في إحدى المدارس الحكومية منذ عشر سنوات، تبلغ من العمر 28 عاما، حدثت "الرسالة نت" عن تجربتها في اختيار خطيبها وقالت: كنت أعيش في عائلة مستقرة الحال، ولكن أخي بدأ يطمع في راتبي، وبالفعل أصبح يهددني ويضربني حتى يأخذ راتبي كاملا، ثم يتصدق علي بشئ منه كمصروف شهري.

وقد باتت فرصتي في الزواج قليلة لأني تجاوزت خمسة وعشرين عاما، فحسب مجتمعنا الغزي فإن الفتيات يتزوجن بعمر مبكر، وهذا زاد من قلقي ، فأنا فتاة متوسطة الجمال، ولم يتقدم لخطبتي سوى رجال كبار في السن، أو أرامل ومطلقين، ولم يكن ذلك الموضوع يؤثر على شخصيتي حتى ضقت ذرعا بتصرفات أخي وقبلت الزواج من أول رجل يتقدم لخطبتي وقد كان للأسف يكبرني بثلاثين عاما، وله بيت وعيال، بالإضافة إلى أن وضعه المادي سيء للغاية، ولكني مضطرة للهروب من واقعي الذي أحياه.

تعيش مع عائلتها المتكونة من عشرة أفراد، لا يكفي ما يدخله والدها كل يوم طعاما لأخوتها، تحاول النوم مبكرا قبل أن تحضر وجبة العشاء لعلها توفر قوتا لأخوتها.  أكملت رندا قصتها بكل صراحة قائلة: أنا لست امرأة جميلة، بل أنا امرأة بشعة بالفعل، بالإضافة إلى فقر والدي، وتواضع تعليمي، فمن سيخطبني؟ ولماذا؟!

وعن موافقتها على خطيبها قالت: كما يقول المثل "ضل راجل ولا ضل حيطة"، فأبي لا يستطيع إعالة إخوتي ولا تعليمهم، وأنا اشعر بالذنب لأني لم أتزوج حتى الآن، بل وبت أرى في عيون والدي تأنيبا كلما رفضت عريسا يتقدم لخطبتي، ولكني لم أجد مفر.

وتواصل بقولها: لم يتقدم لخطبتي سوى رجال كبار السن فوافقت على القبول رحمة بوالدي ورغبة في إنجاب طفل قبل أن تفوتني الفرصة، فأنا على مشارف الثلاثين واعلم تماما أن فرصة المرأة في الزواج والإنجاب بعد هذا العمر تصبح ضئيلة، لذلك بكل بساطة قبلت.

أنا مريضة

أما هذه الأخرى فهي طفلة جميلة الملامح، حساسة رقيقة، لكن لها تجربة أخرى مع اختيار الزوج تقول: لقد مرضت في طفولتي مرضا غريبا، ولم يجد لي الأطباء علاجا في قطاع غزة أو مصر، وعندما لجأت للطب الشعبي شفيت تماما، وكان ذلك منذ ست سنوات، إلا أن كل معارفي يعلمون تماما بقصة مرضي، وجميع أقاربي كذلك، فكلما عرف أي شاب بأمر مرضي يعزف عن التقدم لخطبتي، فعلى الرغم من تعليمي المتقدم، وجمالي، كان ابن عمي الوحيد الذي طرق بابي وهو يعلم ما هي علتي، وللأسف فقد استغل وضعي وخوفي ، وهو متزوج من أخرى، ولكنه اعتبر أن هذه فرصة لا تعوض وقد قالها صراحة في وجه أبي" بنتك كانت مريضة، ومين حيخطبها"، وتضيف: فعلا لقد قال ابن عمي حقيقة كنت اهرب منها وأواسي نفسي، فهذا فعلا حكم المجتمع، وأنا وافقت على زواجي منه. 

تقول ع.س. وهي فتاة تزوجت بعد سن الخامسة والثلاثين: على الرغم من أنني متعلمة واحضر للماجستير، وعلى درجة متواضعة من الجمال، فأنا بعد وفاة والداي، وزواج أختي الصغرى أصبحت وحيدة بلا أنيس فقررت الزواج سريعا من أول رجل يطرق بابي.

وتضيف: لست نادمة على فعلي برغم الفروق الاجتماعية بيني وبين زوجي، والتي تسببت لي في الكثير من المشاكل ولكنه رغم كل شيء أصبح ونيسا لي في وحدتي، التي أصبحت في الآونة الأخيرة شبحا يرعبني.

إحصائيات وأرقام

أظهر تقرير إحصائي فلسطيني حديث، ارتفاعاً كبيراً في معدلات العنوسة في صفوف الفلسطينيات، إذ أشار الجهاز المركزي للإحصاء في الأراضي الفلسطينية، في 8 آذار (مارس) 2008، أن 39,3 في المائة من الفلسطينيات «عوانس»، وهي نسبة كبيرة جداً، خاصة إذا ما علمنا أن احصائيات أجريت قبل عام 2000، كانت تتحدث عن نسبة لا تزيد عن خمسة في المائة.

وبحسب العرف الدارج في غزة، فإن حالات تأخر الزواج  تداهم الفتاة بعد تخطيها سن 25 عاما والشاب 30عاما، ووفقا لتقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن 3,39 بالمئة من الفلسطينيات يصنفن ضمن حالات تأخر الزواج، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الأعراس الجماعية، التي بلغت هذا العام بالعشرات.

تقول نرمين الطويل الأخصائية النفسية في برنامج تمكين المرأة: قليلا ما تجد فتاة متأخرة عن الزواج تتمتع بحياة طبيعية على الرغم من نجاح بعضهن في تعويض هذا الوضع من خلال النجاح والإبداع والتميز في العمل إلا أن معظمهن بعانين من الفراغ النفسي و الحرمان العاطفي، وأسمى شعور خلق للأنثى وهو الأمومة ، وإذا لم تجد تلك الفتاة معنى لحياتها في أنشطة مفيدة ومشبعة فإنها ربما تكون عرضة للقلق أو الاكتئاب أو لهما معا، أو تعاني من اضطرابات جسدية كثيرة سببها حالتها النفسية التي لا ترغب في التعبير عنها بشكل مباشر، وقد تتسم حالتها بالخوف الشديد من المستقبل أو القلق وعدم الثقة بالنفس، وتتفاقم في بعض الحالات لتصل إلى كراهية لصديقاتها أو قريناتها ممن تزوجن وأنجبن.

وعن التأثيرات الجسدية تقول الطويل أن الفتاة غير المتزوجة تهرم وتكبر أكثر من المتزوجة، فأنسجة الجسم لدى أي امرأة تتجدد بالإنجاب والولادة والرضاعة، أما العانس فهي معرضة للهرم المبكر، والذي يظهر جليا على بشرتها ووجهها، وفي هذه الحالة نجدها كثيرة التردد على الأطباء في كل التخصصات بلا جدوى.

وتنوه الطويل إلى أن الفتاة في هذه الحالة تخشى أن تواجه نفسها بهذه الحقيقة حيث تزيد من ألمها ومن إحساسها بالضعف، إذا ما صرح لها أحد بأن ما تعانيه من مشكلات جسدية سببه حالتها النفسية، وهي تحمل في داخلها خوفًا دفينًا من المستقبل وإحساسًا بعدم الأمان حيث إن رصيدها الإنساني و"العلاقاتي" لا يطمئنها على نفسها، خاصة حين تكبر في السن وتجد نفسها تعيش وحدها بعد وفاة الوالدين وانصراف الإخوة والأخوات إلى حياتهم وانشغالاتهم.

 

البث المباشر