لا شك أن نظم الحكم العربية التي أشهرت تحالفها مع الاحتلال تحتفي اليوم بإعلان السلطة عودة التعاون الأمني مع الصهاينة، لأن هذا يدل على أن اعتراض هذه السلطة على التطبيع لم يستند إلى مسوغات وطنية وقيمية وأخلاقية حقيقية، بل إلى اعتبارات تتعلق بحسابات قيادتها الضيقة.
فلا يمكن لهذه السلطة بعد الآن انتقاد التطبيع وهي تمارس جرما أكبر منه، يتمثل في التعاون الأمني، الذي يستهدف قضية فلسطين وشعبها ومقاومته.
المسوغات التي ادعت قيادة السلطة الاستناد إليها في تبرير عودتها للتعاون الأمني مع الاحتلال واهية.
وكما جرت العادة، لجأت قيادة السلطة إلى اجترار الأكاذيب التي باتت ممجوجة لتبرر العودة للتعاون الأمني، حيث ادعت على لسان مسؤول التعاون الأمني حسين الشيخ، أن عودة العلاقة مع الصهاينة جاءت بعد تقديم (إسرائيل) التزامات مكتوبة بتنفيذ التزاماتها.
الشيخ لم يشرح لنا "الالتزامات" التي تعهد الكيان الصهيوني باحترامها؛ ولكننا نعلم أنه قبل يوم على إعلان عودة التعاون الأمني (الذي يشك في أنه توقف أصلا) أقدمت (إسرائيل) على تدشين حي استيطاني كبير في محيط القدس؛ في حين أقدمت عقبها على تدمير قرية كاملة في منطقة "غور الأردن"؛ مع العلم أن العام 2020 شهد أكبر حركة للبناء في المستوطنات اليهودية في أرجاء الضفة.
فضلا عن ذلك، فإن رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو ووزراءه يواصلون التأكيد على التزامهم بعدم السماح بتدشين دولة فلسطينية وحرصهم على طمأنة جمهورهم بأن مخطط ضم أجزاء من الضفة سينفذ آجلا أم عاجلا.
من الواضح أن العودة للتعاون الأمني مرتبطة بفوز المرشح الديموقراطي جون بايدن في الانتخابات الأمريكية.
فقد منح فوز بايدن قيادة السلطة المسوغ للعودة لتمارس دورها المعهود كمقاول أمني يعمل لصالح الاحتلال، بعد أن أحرجتها بجاحة ترامب، حيث أن بنية هذه السلطة وارتباط مصالح مراكز النفوذ فيها بالاحتلال، فضلا عن طابعها الشللي لا يؤهلها لخوض مواجهة حقيقية وجادة دفاعا عن الحق الفلسطيني.
تعي قيادة السلطة أن صعود بايدن للحكم لن يدفع واشنطن للتراجع عن الخطوات التي أقدمت عليها إدارة ترامب بشأن القضية الفلسطينية، سيما الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) ونقل السفارة إليها، إلى جانب تطبيق الاتفاقات الموقعة بين واشنطن و(تل أبيب) على المستوطنات، وهو ما يمثل اعترافا أمريكيا واقعيا بضم هذه المستوطنات لـ(إسرائيل).
تهافت السلطة على إعادة التعاون الأمني مع الاحتلال في ظل سياسات حكومة اليمين المتطرف في (تل أبيب) يعني أن الجهد الذي بذل لإنجاز المصالحة في القاهرة وبيروت وإسطنبول، كان مجرد مسرحية من عباس هدفت لشراء الوقت حتى تتبين نتائج الانتخابات الأمريكية، لذا توقعوا عودة التصعيد في الحلبة الداخلية.
المضحك المبكي أنه تبين أن وزير الحرب الصهيوني بني غانز هو الذي أرسل الرسالة التي احتفت بها السلطة وعلى أساسها استأنفت التعاون الأمني، مع أن أحدا لا يتعاطى في الكيان الصهيوني بجدية مع غانز الذي يتعرض لانتقادات حادة من القيادات السياسية في الوسط واليسار والنخب الإسرائيلية بسبب عدم تحركه لمواجهة خطوات نتنياهو على كل الصعد، مع العلم أن غانز كوزير للحرب هو المسؤول المباشر عن منح الأذونات بتدشين المشاريع الاستيطانية.
قصارى القول، لا يمكن للمشروع الوطني التحرري الفلسطيني أن يتقدم خطوة واحدة في ظل وجود عباس وسلطته، ويتوجب العمل على تجاوزها.